10 - لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفئ بهم أحسن رضا وأكمله ومعنى تبوئهم الدار أنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ ومعنى اللزوم وقيل تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان كقول من قال ... علفتها تبنا وماءا باردا ... وقيل المعنى تبوؤا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف إليه من الأول وعوض منه اللام وقيل سمى المدينة بالإيمان لكونها مظهره ومنشأه من قبلهم أى من قبل هجرة المهاجرين على المعانى الأول ومن قبل تبوؤ المهاجرين على الأخيرين ويجوز أن يجعل إتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه على المعانى الاول عبارة عن إقامة كافة حقوقه التى من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب فى تقدم الأنصار في ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلبا واعتقادا إذ لا يتصور تقدمهم عليهم فى ذلك يحبون من هاجر إليهم خبر للموصول أى يحبونهم من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان ولا يجدون فى صدورهم أى فى نفوسهم حاجة أى شيئا محتاجا إليه يقال خذ منه حاجتك أى ما تحتاج إليه وقيل إثر حاجة كالطلب والحرازة والحسد والغيظ مما أوتوا أى مما أوتى المهاجرون من الفئ وغيره ويؤثرون أى يقدمون المهاجرين على أنفسهم فى كل شئ من أسباب المعاش حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحدا منهم ولو كان بهم خصاصة أى حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهى فرجه والجملة فى حيز الحال وقد عرفت وجهه مرارا وكان النبى E قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة وقال لهم إن شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شئ من الغنيمة فقالت الانصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وهذا صريح فى ان قوله تعالى والذين تبوؤا الخ مستأنف غير معطوف على الفقراء أو المهاجرين نعم يجوز عطفه على أولئك فإن ذلك إنما يستدعى شركة الأنصار للمهاجرين فى الصدق دون الفىء فيكون قوله تعالى يحبون وما عطف عليه استئنافا مقررا لصدقهم أو حالا من ضمير تبوؤا ومن يوق شح نفسه الشح بالضم والكسر وقد قرئ به أيضا اللؤم وإضافته إلى النفس لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل أى ومن يوق بتوفيق الله تعالى شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق فأولئك إشارة إلى من باعتبار معناها العام المنتظم للمذكورين انتظاما أوليا هم المفلحون الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه والجملة اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم وقرئ يوق بالتشديد والذين جاؤا من بعدهم هم الذين