البقرة 4 .
في الثاني معنى الإذهاب بالكلية دون الأول والمراد بهذا الانفاق الصرف إلى سبيل الخير فرضا كان أو نفلا ومن فسر بالزكاة ذكر أفضل أنواعه والأصل فيه أو خصصه بها لاقترانه بما هو شقيقها والجملة معطوفة على ماقبلها من الصلة وتقديم المفعول للاهتمام والمحافظة على رءوس الآي وإدخال من التبعيضية عليه للكف عن التبذير هذا وقد جوز ان يراد به الأنفاق من جميع المعاون التي منحهم الله تعالى من النعم الظاهرة والباطنه ويؤيده قوله عليه السلام ان علما لا ينال به ككنز لا ينفق منه واليه ذهب من قال ومما خصصناهم من انوار المعرفه يفيضون .
والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك معطوف على الموصول الاول على تقديري وصله بما قبله وفصله عنه مندرج معه في زمرة المتقين من حيث الصورة والمعنى معا او من حيث المعنى فقط اندراج خاصين تحت عام اذ المراد بالأولين الذين آمنوا بعد الشرك والغفله عن جميع الشرائع كما يؤذن به التعبير عن المؤمن به بالغيب وبالآخرين الذين آمنوا بالقرآن بعد الإيمان بالكتب المنزله قبل كعبد الله بن سلام واضرابه او على المتقين على ان يراد بهم الأولون خاصة ويكون تخصيصهم بوصف الأتقاء للايذان بتنزههم عن حالتهم الأولى بالكليه لما فيها من كمال القباحة والمباينة للشرائع كلها الموجبه للاتقاء عنها بخلاف الآخرين فأنهم غير تاركين لما كانوا عليه بالمرة بل متمسكون بأصول الشرائع التي لا تكاد تختلف باختلاف الأعصار ويجوز ان يجعل كلا الموصلين عبارة عن الكل مندرجا تحت المتقين ولا يكون توسيط العاطف بينمها لا ختلاف الذوات بل لاختلاف الصفات كما في قوله ... الى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتبيه في المزدحم ... وقوله ... يالهف زيابه للحارث الصابح فالغانم فالآيب ... للإيذان بأن كل واحد من الأيمان بما اشير اليه من الأمور الغائبه و الأيمان بما يشهد بثبوتها من الكتب السماوية نعت جليل على حيالة له شأن خطير مستتبع لأحكام جمة حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل أحدهما تتمة للآخر وقد شفع الاول بأداء الصلاة والصدقة اللتين هما من جملة الشرائع المندرجة تحت تلك الأمور المؤمن بها تكملة له فإن كمال العلم العمل وقرن الثاني بالإيقان بالآخرة مع كونه منطويا تحت الأول تنبيها على كمال صحته وتعريضا بما في اعتقاد أهل الكتابين من الخلل كما سيأتي هذا على تقدير تعلق الباء بالأيمان وقس عليه الحال عند تعلقها بالمحذوف فإن كلا من الإيمان الغيبي المشفوع بما يصدقه من العبادتين مع قطع النظر عن المؤمن به والإيمان بالكتب المنزلة الشارحة لتفاصيل الأمور التي يجب الإيمان بها مقرونا بما قرن فظيلة باهرة مستدعية لما ذكر و الله تعالى أعلم وقد حمل ذلك على معنى أنهم الجامعون بين الإيمان بما يدركه العقل جملة والإتيان بما يصدقه من العبادات البدنية و المالية و بين الإيمان بما لا طريق إليه غير السمع وتكرير الموصول للتنبيه على تغاير القبيلين وتباين السبيلين فليتأمل وأن يراد بالموصول الثاني بعد أندراج الكل في الأول فريق خاص منهم وهم مؤمنو أهل الكتاب بأن يخصوا بالذكر تخصيص جبريل وميكائيل به إثر جريان ذكر الملائكة عليهم السلام تعظيما لشأنهم وترغيبا لأمثالهم وأقرانهم في تحصيل مالهم من الكمال والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل وتعلقه