المائدة آية 50 51 .
احذرهم مخافة أن يفتنوك وإعادة ما أنزل الله لتأكيد التحذير بتهويل الخطب روي أن أحبار اليهود قالوا اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه فذهبوا إليه وقالوا يا ابا القاسم قد عرفت أنا احبار اليهود وأنا من اتبعناك اتبعنا البهود كلهم وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بط ونصدقك فأبى ذلك رسول الله فنزلت فإن تولوا أي أعرضوا عن الحكم بما أنزل الله تعالى وأرادوا غيره فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم أي بذنب توليهم عن حكم الله D وإنما عبر عنه بذلك إيذانا بأن لهم ذنوبا كثيرة هذا مع كمال عظمه واحد من جملتها وفي هذا الإبهام تعظيم للتولي كما في قول لبيد أو يرتبط بعض النفوس حمامها يريد به نفسه أي نفسا كبيرة ونفسا أي نفس وإن كثيرا من الناس لفاسقون أي متمردين في الكفر مصرون عليه خارجون عن الحدود المعهودة وهو اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قوله أفحكم الجاهلية يبغون إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي يتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجيب لأن التولي عن حكمه وطلب حكم آخر منكر عجيب وطلب حكم الجاهلية اقبح وأعجب والمراد بالجاهلية إما الملة الجاهلية التي هي متابعو الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام فيكون تعييرا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي وإما أهل الجاهلية وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى حيث روى أن بني النضير لما تحاكموا إلى رسول الله في خصومه قتل وقعت بينهم وبين بني قريظة طلبوا إليه أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل فقال القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت وقرىء برفع الحكم على أنه مبتدأ ويبغون خبره والراجع محذوف حذفه في قوله تعالى أهذا الذي بعث الله رسولا وقد استضعف ذلك في غير الشعر وقرىء بقاء الخطاب إما بالالتفات لتشديد التوبيخ وإما بتقدير القول أي قل لهم أفحكم الخ وقرىء بفتح الحاء والكاف أي أفحاكما كحكام الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساوله وإن كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها وقد مر تفصيله في تفسير قوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله لقوم يوقنون أي عندهم واللام كما في هيت لك أي هذا الاستفهام لهم فإنهم الذين يتدبرون الأمور بانظارهم فيعلمون يقينا ان حكم الله D أحسن الأحكام وأعد لها يأيها الذين آمنوا خطاب يعم حكمه كافة المؤمنين من المخلصين وغيرهم وإن كان سبب وروده بعضا منهم كما سيأتي