المائدة آية 108 .
ففعلنا وما لنا بالإناء من علم فرفعوهما إلى رسول الله فنزل يأيها الذين أآمنوا الآية فاستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع ولا كتما فحلفا على ذلك فخلى سبيلهما ثم إن الإناء وجد بمكة فقال من بيده اشتريته من تميم وعدي وقيل لما طالت المدة أظهراه فبلغ ذلك بني سهم فطلبوه منهما فقالا كنا اشتريناه من بديل فقالوا ألم نقل لكما هل باع صاحبنا من متاعه شيئا فقلتما لا قالا ما كان لنا بينة فكر هنا أن نقربه فرفعوهما إلى رسول الله فنزل قوله D فإن عثر الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر أنهما كذبا وخانا فدفع الإناء إليهما وفي رواية إلى أولياء الميت واعلم أنهما إن كانا وارثين لبديل فلا نسخ إلا في وصف اليمين فإن الوارث لا يحلف على البتات وإلا فهو منسوخ ذلك كلام مستأنف سيق لبيان أن ما ذكر مستتبع للمنافع وارد على مقتضى الحكمة والمصلحة أي الحكم الذي تقدم تفصيله أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أي أقرب إلى أن يؤدي الشهود الشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفا من العذاب الأخروي وهذه كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور وقوله تعالى أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبأ عنه المقام كأنه قيل ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة أو يخافوا الافتضاح على رؤوس الأشهاد بإبطال أيمانهم والعمل بأيمان الورثة فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه فأي الخوفين وقع حصل المقصد الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها وقيل هو عطف على يأتوا على معنى أن ذلك أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو إلى أن يخافوا الافتضاح برد اليمين على الورثة فلا يحلفوا على موجب شهادتهم إن لم يأتوا بها على وجهها فيظهر كذبهم بنكولهم وأما ما قيل من أن المعنى إن ذلك أقرب إلى أحد الأمرين اللذين أيهما وقع كان فيه الصلاح أداء الشهادة على الصدق والامتناع عن أدائها على الكذب فيأباه المقام إذ لا تعلق له بالحادثة أصلا ضرورة أن الشاهد مضطر فيها إلى الجواب فالامتناع عن الشهادة الكاذبة مستلزم للإتيان بالصادقة قطعا فليس هناك أمران ايهما وقع كان فيه الصلاح حتى يتوسط بينهما كلمة أو وإنما يتأتى ذلك في شهود لم يتهموا بخيانة على أن إضافة الامتناع عن الشهادة الكاذبة إلى خوف رد اليمين على الورثة ونسبة الإتيان بالصادقة إلى غيره مع أن ما يقتضي أحدهما يقتضي الآخر لا محالة تحكم بحت فتأمل واتقوا الله في مخالفة أحكامه التي من جملتها هذا الحكم واسمعوا ما تؤمرون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول والله لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن الطاعة أي فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهدي القوم الفاسقين أي إلى طريق الجنة أو إلى ما فيه نفعهم