البقرة 41 .
بنصب الدلائل وارسال الرسل وانزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ومن الله تعالى حقن الدماء والاموال وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث نغفل عن انفسنا فضلا عن غيرنا ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم وأما ما روي عن ابن عباس Bهما اوفوا بعهدي في اتباع محمد اوف بعهدكم في رفع الآصار والأغلال وعن غيره اوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر اوف بالمغفرة والثواب او اوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم اوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر الى الوسائط وقيل كلاهما مضاف الى المفعول والمعنى اوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة اوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين قوله تعالى ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل الى قوله ولأدخلنكم جنات الخ وقرئ اوف بالتشديد للمبالغة والتأكيد .
وإياي فارهبون فيما تأتون وما تذرون خصوصا في نقض العهد وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل ان كنتم راهبين شيئا فارهبوني والرهبة خوف معه تحر زو الآية متضمنة للوعد والوعيد ودالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وان المؤمن ينبغي ان لا يخاف الا الله تعالى .
وآمنوا بما انزلت افرد الإيمان بالقرآن بالأمر به لما انه العمدة القصوى في شأن الوفاء بالعهود .
مصدقا لما معكم من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرر المراجعة اليها والوقوف على ما في تضاعيفها المؤدى الى العلم بكونه مصدقا لها ومعنى تصديقه للتوراة انه نازل حسبما نعت فيها او من حيث انه موافق لها في القصص والمواعيد والدعوة الى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصي والفواحش واما ما يتراءى من مخالفته لها في بعض جزئيات الاحكام المتفاوته بسبب تفاوت الاعصار فليست بمخالفة في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث ان كلا منها حق بالإضافة الى عصره وزمانه متضمن للحكم التي عليها يدور فلك التشريع وليس في التوراة دلالة على ابدية احكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها وإنما تدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هي ناطقة بنسخ تلك الاحكام فان نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها فإذن مناط المخالفة في الاحكام المنسوخة انما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليه السلام لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعي وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم لتأكيد وجوب الامتثال بالامر فإن ايمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا .
ولا تكونوا اول كافر به أي لاتسارعوا الى الكفر به فإن وظيفتكم ان تكونوا اول من آمن به لما انكم تعرفون شانه وحقيته بطريق التلقي مما معكم من الكتب الإلهية كما تعرفون ابناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرون