الرابع و الثلاثون من شعب الإيمان و هو باب في حفظ اللسان عما لا يحتاج إليه فأول ما دخل في هذا لزوم الصدق و مجانية الكذب و للكذب مراتب فأعلاها في القبح و التحريم الكذب على الله عز و جل ثم على نبيه صلى الله عليه و سلم ثم كذب المرء على عينيه و على لسانه و سائر جوارحه و كذبه على والديه ثم كذبه على الأقرب فالأقرب من المسلمين و أغلظ ذلك كله ما يضربه أحدا في نفسه أو ماله أو أهله أو ولده ثم الكذب الموبق باليمين أغلظ من الكذب المتجرد عن اليمين و يتلو الكذب في الكرامة الملق و الإفراط في مدح الرجل و أقبح ذلك ما كان في وجهه و يتلوه الخوض فيما لا يعني و لا يرجع إلى الخائض فيه منه نفع و لا يعود عليه من السكوت ضرر و يتلو هذه كثرة الكلام و إطالته مع الاكتفاء ببعضه و ترديده و تكريره مع الاستغناء بالمرة الواحدة منه قال الله جل ثناؤه في مدح الصادقين و الصادقات { إن المسلمين والمسلمات } إلى قوله { والصادقين والصادقات } و قال : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } و أمر المؤمنين بأن يكونوا مع أهل الصدق فقال : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } و قال : فيما وصى به نبيه صلى الله عليه و سلم { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } و ذلك أن يقول : سمعت أو رأيت أو علمت فأبان أن التسرع إلى إطلاق شيء من ذلك دون حقيقته حرام ممنوع و قال : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } فأبان أن إخلاف الوعد خلاف ما يوجبه الإيمان و قال : في ذم المنافقين { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } أي أنهم يكذبون و يحلفون مع ذلك على كذبهم و قال : { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه } و قال : { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } فمدح الصادق عليه و المصدق بما جاء من عنده و ذم الكاذب عليه و المكذب بما جاء من عنده و قال : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } { متاع قليل ولهم عذاب أليم } إلى سائر ما ورد في الكتاب في هذا المعنى