@ 87 @ وكان الولي الصالح العابد الناسك الزاهد المجاهد رافع لواء الإسلام ومحيي منهاج النبي صلى الله عليه وسلم سيدي محمد العياشي كلما سمع شيئا من ذلك تغير وبات لا يلتذ بطعام ولا منام وهو يفكر كيف تكون الحيلة في زوال المعرة عن المسلمين بتلك الجهة وغسل أعراضهم من وسخ الإهانة وهو مع ذلك يخاف من العيون الذين يرصدونه من صاحب مراكش وقائد آزمور ومن قبطان الجديدة إذ كان ما خلف وادي أم الربيع إلى مراكش باقيا في دعوة السلطان لم يدخل في دعوة أبي عبد الله المذكور فمكث كذلك ثلاث سنين ولما رأى أن الأمر لا يزيد إلا شدة أوعز إلى بعض أولاد ذؤيب من أولاد أبي عزيز أن يجلبوا إلى النصارى شيئا من القمح خفية وأن يكون ذلك شيئا فشيئا حتى تطمئن نفوسهم ويذوقوا حلاوته ويوهمهم النصح والمحبة فلما حصل ذلك جاءه جماعة منهم وأخبروه الخبر وأطلعوه على غرة النصارى خذلهم الله فعزم على قصد الجديدة ثم بدا له في تقديم غزو العرائش ثم يأتي الجديدة بغتة ففعل رحمه الله وكان ذلك أوائل صفر سنة تسع وأربعين وألف .
ثم عزم على قصد الجديدة فذكروا له أن وادي أم الربيع في نهاية المد والامتلاء فلم ينته عن ذلك وسار حتى بلغ الوادي المذكور على مشرع أبي الأعوان فوجده ممتلئا جدا لا يكاد يدخله أحد إلا غرق فقال لأصحابه وسائر من معه توكلوا على الله واجتهدوا في الدعاء ثم اقتحم الوادي بفرسه وتبعه الناس فعبروا جميعا ولم يتأذ منهم أحد وكان الماء يصل إلى قريب من ركب خيلهم مع أن مد ذلك الوادي حين امتلائه لا يدرك له قعر عند الناس كما هو شهير وهذه كرامة عظيمة وقعت له رضي الله عنه وكان القاضي أبو زيد الغنامي حاضرا لها وشاهدها ولم يقع مثل هذا فيما علمناه إلا للصحابة رضي الله عنهم مثل ما وقع لسعد بن أبي وقاص في عبوره دجلة لفتح المدائن ومثل ما وقع للعلاء بن الحضرمي في فتح بعض بلاد فارس وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء