@ 49 @ .
كانوا حالا ثم بدا له فيهم فبعث عبيد السوس إلى تارودانت وعبيد حاحة والشبانات إلى الصويرة وعبيد السراغنة وتادلا ودمنات إلى تيط الفطر وعبيد دكالة إلى آزمور وعبيد الشاوية إلى آنفي وعبيد زعير والدغماء إلى المنصورية وعبيد بني حسن إلى المهدية وأبقى معه بمراكش عبيد سفيان وبني مالك والخلط وطليق والمسخرين من أصحاب العباس .
وكان قيام هؤلاء العبيد سببا لافتراق الكلمة وانحلال نظام الملك بالمغرب وسرى فسادهم في القبائل كلها عربا وبربرا وكثر الهرج وانحبس المطر ووقع القحط وعظمت المجاعة واستمر الحال على ذلك نحوا من سبع سنين من سنة تسعين إلى سنة ست وتسعين ومائة وألف فكانت هذه المدة كلها مجاعة أكل الناس فيها الميتة والخنزير والآدمي وفنى أكثرهم جوعا والسلطان في ذلك كله يكابد المشاق العظام ويصير على الجنود الأموال الثقال راتبا بعد راتب وعطاء بعد عطاء إلى أن خلصوا من المجاعة وصلحت أحوال الجماعة وكان رحمه الله قد رتب الخبز في كل مصر يفرق على ضعفائه في كل حومة وأسلف القبائل الأموال الطائلة يقتسمونها على ضعفائهم إلى أن يؤدوها زمان الخصب والرخاء .
ولما عاش الناس وهموا بأدائها سامحهم بها وقال ما أعطيتها بنية الاسترجاع وإنما ذكرت السلف لئلا يستبد بها الأشياخ والأعيان إذا سمعوا أنها هبة فرحم الله تلك الهمة الشريفة ما كان أعلاها وأعظمها وأرأفها وأرحمها وأسقط رحمه الله في تلك المدة جميع الوظائف والمغارم عن قبائل المغرب إلى أن عاشوا وتمولوا وكان يعطي التجار الأموال ليجلبوا بها الأقوات من بر النصارى فإذا وصلت أمرهم أن يبيعوها بثمنها الذي اشتريت به رفقا بالمسلمين وشفقة على الضعفاء والمساكين .
ولما دخلت سنة سبع وتسعين ومائة وألف مطر الغرب وعاش الناس وحرثوا وأدرك الزرع ورخصت الأسعار وازدهت الدنيا ودرت الجبايات وأخذ أمير المؤمنين رحمه الله في تمهيد المغرب ثانية واستئناف العمل والجد والله غالب على أمره