@ 124 @ .
ثم عاود السلطان النهوض إلى تلمسان في هذه المرة فعسكر بظاهر فاس الجديد وبعث وزراءه ووجوه دولته إلى قاصية البلاد المراكشية لحشد القبائل والجموع ثم تعجل وعرض جنوده وأزاح عللهم وعبى مواكبه وفصل في التعبية من فاس أواسط خمس وثلاثين وسبعمائة فسار يجر الشوك والمدر من أمم المغرب وجنوده ومر بوجدة فجمر عليها الكتائب للحصار ثم مر بندرومة فقاتلها بعض يوم ثم اقتحمها عنوة فاستولى عليها وقتل حاميتها ثم سار على التعبية حتى أناخ على تلمسان ثم بلغه الخبر بتغلب عسكره على وجدة سنة ست وثلاثين وسبعمائة فأوعز إليهم بتخريب أسوارها فأضرعوها بالأرض وتوافت لديه أمداد النواحي وحشودها ووفدت عليه قبائل مغراوة وبنى توجين فأتوه طاعتهم وسرح كتائبه إلى القاصية فتغلب على وهران وهنين ثم على مليانة وتنس والجزائر وغيرها واستولى على الضواحي ونزع إليه يحيى بن موسى كبير قواد أبي تاشفين وصاحب الثغور الشرقية من أعماله فلقاه مبرة وكرامة ورفع بساطه ونظمه في طبقات وزرائه وجلسائه وعقد على فتح البلاد الشرقية ليحيى بن سليمان العسكري شيخ بني عسكر بن محمد وصهر السلطان على ابنته فسار في الألوية والجنود فطوع ضاحية الشرق وافتتح أمصاره حتى انتهى إلى لمدية ونظم البلاد في طاعة السلطان أبي الحسن واحتشد جموعها فلحقوا بمعسكره واستعمل السلطان أبو الحسن عماله على الجهات .
واختط بغربي تلمسان البلد الجديد لسكناه ونزول عساكره وأحيا معالم المنصورة التي كان اختطها عمه يوسف بن يعقوب وخربها بنو زيان من بعده فأدار عليها سياجا من السور ونطاقا من الخندق ونصب المجانيق وآلات من وراء خندقه وجعلت رماته تنضح رماة العدو بالنبل ويشغلونهم بأنفسهم حتى شيد برجا آخر يقرب منهم وترتفع شرفاته فوق خندقهم وتماصع المقاتلة بالسيوف من أعاليه ورتب المجانيق لرجمها وأحكم عملها لدكها فنالت من ذلك فوق الغاية وعظم أثرها في القصور العظيمة والقباب الرفيعة التي تأنق أبو تاشفين في تشييدها وكان السلطان أبو الحسن يصبح المقاتلة كل يوم