@ 127 @ .
وبسط هذا المقام إن تعلم أن الله تعالى اختار هذه الأمة من بين سائر الأمم قال تعالى ! < كنتم خير أمة أخرجت للناس > ! واختار لها من الطاعات وأنواع العبادات ما هو أفضلها قال تعالى ! < اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا > ! وأفضل تلك العبادات كلها الصلاة التي هي من الدين بمنزلة الرأس من سائر الجسد ثم إذا أمعنت النظر رأيت الشارع صلى الله عليه وسلم قد بالغ في الاحتياط لهذه العبادة الشريفة والاستعداد لها باستعمال كل طيب أمكن واجتناب كل خبيث أمكن فشرع أولا الطهارة الكبرى الشاملة لسائر البدن وحظر من مقاربة الصلاة وما هو في معناها حال الخلو عنها ثم شرع ثانيا الطهارة الصغرى المتعلقة بأطراف البدن زيادة في الاعتناء بها لأنها تبرز في غالب الأحوال فيعلق بها من الأقذار ما لا يعلق بغيرها وألزم المكلف استعمال هذه الطهارة عند عروض كل حدث مستقذر حتى الريح والسبب الداعي إلى خروجه ثم ندبه إلى استعمالها عند القيام إلى كل صلاة من الصلوات الخمس .
ثم إنا إذا تأملنا أفعال هذه الطهارة وجدناها تشتمل على مبالغات كثيرة تستدعي غاية النظافة وتنفي كل قذر وإن قل فشرع الغسل في أعضاء الوضوء مكررا وشرع مسح شعر الرأس بالماء دفعا لما يعلق به من الغبار وشرع تتبع مسام الوجه بالغسل والتنظيم كالمضمضة والاستنشاق ثلاثا تطييبا للنكهة وشرع مسح الأذنين من ظاهرهما وباطنهما حتى الصماخين إزالة لما بداخلهما من تلك الفضلة مع أن الحي ودمعه وعرقه ولعابه ومخاطه كلها طاهرة أو ليس في هذا دليل واضح على أن الحكمة في هذا كله إنما هو المبالغة في النظافة وتطييب الرائحة والنكهة إذ بذلك يستحق العبد أن يتلبس بالعبادة ويدخل حضرة الرب وشرط للدخول فيها طهارة البدن والثوب والمكان من سائر المستقذرات حتى يكون على أكمل الحالات بعيدا عن القذر بكل وجه ثم لم يكتف الشارع بهذا حتى شرع السواك عند القيام إلى كل صلاة وقال ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) كل ذلك المقصود منه طيب النكهة فانظر وتأمل اعتناء الشارع بتطييب رائحة