$ عاد حديث نوبة الرملة .
فلو أن لتقي الدين ردءا لأردي القوم وأغلى السوم لكن الناس لما عرفوا الوقعة تفرقوا وراء أثقالهم ثم نجوا برجالهم دون رحالهم وضربوا بجملتهم حملتهم على السلطان وثبت ووقف على تقدمه من تخلف وسمعته يوما يصف تلك النوبة ويشكر من جماعته الصحبة ويمدح منهم في عصبتهم العصبة ويقول رأيت فارسا يحث نحوي حصانه وصوب إلى نحري سنانه وكاد يبلغني طعانه ومعه آخران قد جعلا شأنهما شأنه فرأيت ثلاثة من أصحابي خرج كل واحد منهم إلى كل واحد منهم بادروه وطعنوه وقد تمكن من قربي فما مكنوه وهم إبراهيم بن قنابر وكان الفارس الباسل المصابر وفضل الفيضي وهو الشيخ الذمر الجريء وسويد بن غشم المصري فهؤلاء كانوا فرسان العسكر وشجعان المعشر إذا كان الواحد منهم في مقنب أو سالكا لمذهب قويت به نفوس رفقائه وأيقن بالأعداء على أعدائه واتفق بسعادة السلطان أن هؤلاء الثلاثة وأمثالهم من فرسان العسكر رافقوه وما فارقوه وقارعوا العدو دونه وضايقوه .
فما زال السلطان يسير ويقف حتى لم يبق من ظن أنه يتخلف ودخل الليل وسلك ارمل ولا ماء ولا ذا دليل ولا كثير من الزاد والعلف ولا قليل وتعسفوا السلوك في تلك الرمال والأوعاث والأوعار وبقوا أياما وليالي بغير ماء ولا زاد حتى وصلوا إلى الديار المصرية وأذن ذلك بتلف الدواب وترجل الركاب ولغوب الأصحاب وفقد