ـ(38)ـ
لا يكاد ينكره من تصوره، وهو من الملازمات العقلية مثل: الزوجية للأربعة والفردية للثلاثة، بل يسري هذا إلى جميع الأعداد من الواحد إلى ما لا نهاية، فإنها ليست موجودة في الأعيان، بل ملازمة لها عقلاً، أي: كلما عقل الإنسان تلك المفاهيم الخارجية يعقل معها هذه المفاهيم المنتزعة بالضرورة، وليس لـه أن يعقل ويعتبر خلافها، فليس للعقل أن يتصور الأربعة فرداً والثلاثة زوجاً.
الرابع: الاعتبارات المحضة التي لا وجود لها خارجا ولا ذهنا ولا في ظرف الملازمة، إلاّ في الاعتبار البشري، وليس لها وجود سوى هذا الاعتبار الذي يعتبره الإنسان لحاجة ماسة في اعتبارها في حياته الاجتماعية؛ وليست هي أوهاما صرفة لا واقع لها ولا فائدة فيها، بل هي موجودة في اعتبار العقلاء يرتبون عليها آثاراً شتى لا تقل عن آثار الأشياء الواقعية، وذلك مثل: الملكية والمالية للأشياء.
وهذا القسم من المفاهيم هو محور كثير من المسائل الشرعية التي تشمل المعاملات والأحكام، سواء التكليفية منها والوضعية؛ فالأحكام التكليفية الخمسة ـ وهي: الوجوب وأخواته ـ ليست سوى اعتبار الشارع شيئاً من العبادات والمعاملات واجبة أو محرمة أو غيرهما.
والأحكام الوضعية: مثل الصحة والفساد، والشرطية والسببية، والاقتضاء والمنع، إلى غيرها مما شاع في الفقه والأصول والحقوق وفي حقل الحكومة والسياسة والمعاهدات ونحوها.
ويعبر عن هذا القسم بالاعتبارات المحضة؛ فرقاً بينها وبين الثلاثة الأولى، حيث إن لها نحواً من الوجود خارجاً أو ذهناً لا يتوقف على الاعتبار.
وهذا البحث يكتمل بالتنبيه على أمور:
الأول: يجب أن يكون في الاعتبارات غرض معقول للعقلاء ينتفعون بها في حياتهم الاجتماعية، فلا اعتبار بها إلاّ في ظرف الحاجة إليها ووجود الفائدة فيها. ففي الوقت الذي كان نوع الإنسان منحصراً في آحاد معدودة، وكانت الدنيا بما فيها من الخيرات والثمرات تحت يده يأكل منها رغداً حيث يشاء، لا ينازعه فيها أحد ـ حين