ـ(209)ـ
الله تعالى [ولا تنابزوا بالألقاب] لا تقل لأخيك المسلم ذاك فاسق وذاك منافق.. نهى الله عن ذلك. ويقول ابن جرير أيضاً: "وعمم الله تنبيهه ذاك ولم يخصص بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو "صفة يكرهها".
ومن أخطر هذه الألقاب التكفير والتضليل، أو التفسيق، والتبديع، وكل ذلك يقود إليه التطرف ! ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم "من كفر مسلماً فقد كفر"(1). ومن هنا كان السلف الصالح يتورعون كثيراً عن هذه الألقاب لأنه لم يظهر فيهم التطرف والغلو والتعصب للعقيدة والمذهب، ولم تظهر فيهم العداوة والتحاسد والاختلاف على الدنيا.
وظل الأمر على ذلك حتّى مجيء عصر البدع الاعتقادية والأهواء الضالة، ومع ذلك كان أئمة السنة يتورعون عن تكفير أصحاب الأهواء ماداموا متأولين منزهين للرب في اجتهادهم أو بزعمهم، وكانوا يلتمسون لهم المخارج الكثيرة ويسألون لهم المغفرة والتوبة وحسن الخاتمة، لكونهم لا يخرجون عن اعتبارهم مجتهدين في توحيد الرب وتنزيهه.
يقول العلامة القاسمي رحمه الله: "بعد أن سبر رجال من خرَّج لهم الشيخان أو أحدهما في صحيحهما ممن نبز بالابتداع، فترى من هذا أن التنابز بالألقاب، والتباغض لأجلها الذي أحدثة المتأخرون بين الأمة، عقوا به أئمتهم وسلفهم أمثال البخاري ومسلم وأحمد ومن ماثلهم من الرواة الأبرار، وقطعوا به رحم الأخوة الإيمانية الذي عقده الله في كتابه العزيز، وجمع تحت لوائه كل من آمن بالله ورسوله ولم يفرق بين أحد من رسله. فإن كل من ذهب إلى رأي محتجاً عليه مبرهناً بما غلب على ظنه بعد بذل قصارى جهده وصلاح نيته في توخي الحق فلا ملام عليه ولا تثريب، لأنه مأجور على أي حال، ولمن قام عنده الدليل
______________________
1 ـ 1 : 79.