/ صفحه 109 /
وهي مواظن الحكم والتشريع والنظام والإدارة والاقتصاد، جلُّها ـ ان لم نقل كلها ـ مقتبس مجلوب مستعار، نلبسه ضيِّقا حيناً، وحيناً فضفاضا، ونحن في غنى عنه بما قدَّ الله علينا من دثار، وشعَّر لنا من شعار.
ثم أخلاق الإسلام، وتقاليد الإسلام، وامتلاء النفوس غيرة على الإسلام وحماسة للإسلام، اين نحن من ذلك اليوم ؟ لقد كان ذلك فيما مضى سياجا حصينا يعصمنا من التدهور الخلقي، والانحلال النفسي، وكنا نؤمن إيمان الراسخين بان لنا (مقوّمات) لو خرجنا عنها لخرجنا عن أنفسنا، ولو فرطنا فيها لفرطنا في وجودنا، فلما طوَّعتنا المدنية الحديثة تطوّعنا لها بأنفسنا ونسائنا وتقاليدنا ومقوماتنا فصاغتنا خلقاً جديداً، لتجعلنا أسواقا تجارية لسلعها، وخدّاماً مخلصين لسياستها وأغراضها، وميادين تتنافس عليها دولها، ويطمع فيها كل طامع حتى نُفايات الأمم، وشذَّاذ الآفاق.
هذه حالتنا ـ معاشر أهل الإسلام ـ وهذا موقفنا من شريعة الإسلام، وتراث الإسلام: حقيقةٌ يجب أن تُعلم وتذاق، وإن كانت بَشِعة الطعم مُرَّةَ المذاق.
على أن الأمر لم يصل بنا إلى حد اليأس، ومعاذ الله أن ييأس المؤمنون (إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون).
فمن الممكن أن يتآزر المسلمون في جميع شعوبهم وبلادهم على إصلاح هذه الناحية الأساسية فيهم، وإن الفرصة لذلك لسانحة، حيث تنبه المسلمون، وتفتحت عيونهم على حالة العالم الآن، وهو يتنقل بسبب إنكاره للقيم الروحية، وإفراطه في المادية، من فشل إلى فشل، ويرزح تحت أثقال حروب متلاحقة، لا يكاد يفيق من إحداها إلا ليصرع بأخرى.
الا وإن أول من يطالب بذلك هم العلماء وأهل الرأي والفكر، فإن الله قد أخذ عليهم الميثاق كما اخذه على النبيين: ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وقد نادى بذلك حكماء الأمة من قبل في القديم والحديث، ومن بينهم السيدان المصلحان: