/ صفحه 11 /
لله تعالى، وقد كانوا يتحامون الخوض في النظريات، وفتح باب الآراء في العقائد وأصول الدين، ويحتمون الاعتصام فيها بالمأثور، سداً لذريعة الفتنة، وحرصاً على وحدة الأمة، وتفرغا لما فيه عزهم وسعادتهم وارتفاع شأنهم، ولذلك كانوا أقوياء ذوى عزة ومهابة (أشداء على الكفار رحماء بينهم).
ولكن المسلمين لم يلبثوا أن انحرفوا عن هذه السبيل، واتخذوا من خلافاتهم عصبيات جامدة لا تعرف التفاهم، ولا تنزل على حكم البرهان والعقل، فكانوا باختلافهم المذهبي كالمختلفين في الدين، يتبادلون سوء الظن. ويتراشقون بالتهم جزافاً، وينظر بعضهم إلى بعض في حذر وحيطة، بل أفضى بهم ذلك في كثير من الأحيان إلى التضارب والتقاتل وسفك الدماء، وبذلك انحلت عرى الأمة، وانفصمت وحدتها، وقدر عليها أعداؤها، ونزع الله هيبتها من القلوب، وأصبحت غثاء كغثاء السيل، وانقلب الخلاف الذي كان رحمة ونعمة، إلى بلاء وشر وفتنة، وصار مثله كمثل الخلاف في الأصول، والنزاع على الأسس الأولى للإيمان.
ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخشى هذا التفرق، ويحذّر منه، وكان يشبه المؤمنين بالجسد الواحد. ولم يكن شئ أبغض إليه بعد الكفر بالله من الاختلاف والتنازع ولو في الأمور العادية.
إن هذه الأمة لن تصلح إلا إذا تخلصت من هذه الفرقة، واتحدت حول أصول الدين، وحقائق الإيمان، ووسعت صدرها فيما وراء ذلك للخلافات ما دام الحكم فيها للحجة والبرهان.
ولقد أدركنا في الأزهر على أيام طلبنا العلم، عهد الانقسام والتعصب للمذاهب ولكن الله أراد أن نحيا حتى نشهد زوال هذا العهد، وتَطهُّرَ الأزهر من أوبائه وأوضاره، فأصبحنا نرى الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، إخوانا متصافين وجهتهم الحق، وشرعتهم الدليل، بل أصبحنا نرى بين العلماء من يخالف مذهبه