/ صفحه 115/
وبهذا تتجلى فائدة البسملة في الناحيتين: في تقوية الروح على عمل الخير، وفي صرف النفس عن عمل الشر، وهذا أسمى ما يتصور من شعار يتخذ عنواناً لأمة من الأمم ….
(الحمد لله رب العالمين).
هذه اول آية من سورة الفاتحة، وأصح ما قيل في سورة الفاتحة أنها مكية نزلت قبل الهجرة، وجاء في بعض الروايات أنها أول سورة كاملة نزلت من القرآن، ولهذا، ولأنه يبدأ بها المصحف كتابة، والقرآن حفظاً وقراءة، سميت: (فاتحة الكتاب) وقد سميت أيضاً بأسماء أخرى لمعان مناسبة كتسميتها (أم الكتاب) أو (السبع المثاني) أو (سورة الحمد)…. الخ
(الحمد) هو الثناء بالجميل على واهب الجميل، و (الله) علم الذات الاقدس واجب الوجود ذي الجلال والجمال، و (الرب) هو السيد المالك المربي، و (العالمين) جمع عالم، أريد به جميع الكائنات من كل ما سوى الله عزوجل.
تقرر هذه الآية ثبوت الثناء المطلق الذي لا يحد لله سبحانه، وتقرر إختصاصه الاقوى به، فليس لأحد أن ينازعه إياه، وليس لأحد أن ينال منه ذرة إلا ولله مرجعها، ومنه مبدؤها، وتقرر أن هذا الاستحقاق العام الشامل للثناء المطلق انما كان لأنه سبحانه هو رب العالمين.
فليس شئ من الكائنات سماويّها وأرضيّها، مجردها وماديها، روحانيّها وجسمانيِّها الا والتربية الالهية قد شملته في جميع أطواره، ومن جميع نواحيه، في ذاته وخواصه، في وجوده وبقائه، في تمكينه ونفعه والانتفاع به.
تربية الله للعالم:
عمت تربيته جميع الكائنات، وأعطى كل شئ نهاية ما يطلبه استعداد ومركزه في مراتب الوجود، وهذا هو الإنسان الذي جعله الله في أقصى درجات الوجود المادي، ومنحه مركز الخلافة في الارض، قد رباه فوق هذه التربية الجسمية