/ صفحه 14/
لا نكاد نعرف علماً من العلوم التي إشتغل بها المسلمون في تاريخهم الطويل إلا كان الباعث عليه هو خدمة القرآن الكريم من ناحية ذلك العلم، فالنحو الذي يقوِّم اللسان ويعصمه من الخطأ، أريد به خدمة النطق الصحيح للقرآن، وعلوم البلاغة التي تبرز خصائص اللغة العربية وجمالها، أريد بها بيان نواحي الإعجاز في القرآن، والكشف عن أسراره الادبية، وتتبع مفردات اللغة، والتماس شواردها وشواهدها وضبط الفاظها، وتحديد معانيها، أريد بها صيانة الفاظ القرآن ومعانيه أن تعدو عليها عوامل التحريف أو الغموض، والتجويد والقراءات لضبط أداء القرآن وحفظ لهجاته، والتفسير لبيان معانيه، والكشف عن مراميه، والفقه لاستنباط أحكامه، والأصول لبيان قواعد تشريعه العام وطريقة الاستنباط منه وعلم الكلام لبيان ما جاء به من العقائد، وأسلوبه في الاستدلال عليها، وقل مثل هذا في التاريخ الذي يشتغل به المسلمون تحقيقاً لما أوحى به الكتاب الكريم في مثل قوله: (نحن نقص عليك أحسن القصص). (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك). (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) وقل مثل هذا ايضاً في علم تقويم البلدان وتخطيط الأقاليم، الذي يوحى به مثل قوله تعالى: (سيروا في الأرض). (فامشوا في مناكبها) وفي علوم الكائنات التي يوحى بها مثل قوله: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي). (ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار، يقلب الله الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار، والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير).
وهكذا علوم الفلك والنجوم والطب، وعلوم الحيوان والنبات وغير ذلك من علوم الإنسان، لا يخلوا علم منها أن يكون الاشتغال به في نظر من اشتغل به من