/ صفحه 141 /
ينتهي إليها وجوده، وهو الذي وضع للناس القواعد الأخلاقية الأساسية لسيرهم، وربط الأمر والنهي بما ينفعهم وما يضرهم، فأمر بما ينفع، ونهى عما يضر، وهو الذي يحاسبهم على تصرفاتهم في دنياهم يوم يلقون ربهم (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) يقرب إليه المطيعين، ويبعد عنه العاصين، يريد من الإنسان ان يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته، وأن يسعى ويجدّ في الحياة مراعياً أوامره ونواهيه، لا يترهب، ولكن يسعى ويعمل، ولا يغمض عينه عن الدنيا التي يعيش فيها، كا لا يغمض عينه عن الأخرى التي يرى فيها ربه. وقد كتب الله على نفسه أن يمد بالمعونة من استعانة في شئونه ورعاه في حياته، وأن يخذل من صد عنه، وعصى أمره، بيده الملك وهو على كل شئ قدير.
هذه العقيدة عقيدة وحدانية الله وعظمته وقدرته على هذا النحو، من شأنها أن ترفع نفس معتنقها، فمن الذي يؤمن بإله هذه أوصافه، ثم يذل لمخلوق أو يتنزل إلى سفساف الأمور ؟ ومن الذي يؤمن بإله هذه صفاته ثم لا يتحرى الفضيلة في حياته ويتجنب الرذيلة في سلوكه. إن عقيدة الوحدانية تجعل الإنسان على أحسن صلة بالناس وبالحيوان وبكل الخلق، لأنه وإياهم نتاج صانع واحد ومدبر واحد، فاتصاله بهم وبكل موجودات العالم اتصال أخوّة. تجعله لا يذلّ للغنى ولا للحاكم، ولا لذي السلطان، لأنه لا سلطان إلا لله، والفروق بين الإنسان والإنسان فروق في العرض لا في الجوهر، وفي الأوصاف الزائلة للأشياء لا في الخالدة فيها، والله لا يقوّم الناس بغناهم وجاههم، ولكن بقلوبهم وأعمالهم. تجعله لا يحتقر الفقير ولا الضعيف ولا المرءوس لأنه أخوه أيضا، وشريكه في الحياة، وشريكه في العبودية لله، فهو عزيز النفس في غير كبر، أبيٌّ في غير عتوّ، متواضع في غير ضعة، ناظر إلى كل شئ نظرة عطف ورحمة، لا يرضى بالهوان، لأنه ينتسب إلى الله العظيم، ولا يرضى أن يَظلم أو يُظلم، لأنه ينتمي إلى الله العادل، يعمل ويكد في الحياة ويبتغي أن يكون في أعلى مقام، بفضل عقيدته في الله التي هي أحسن العقائد، ويحب أن تكون أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف