/ صفحه 145/
الطوارئ. وما شرعت أحكاما لوقائع فرضية، ولا لطوارئ احتمالية، وحاجات المسلمين في ذلك العهد كانت محدودة ومعاملاتهم كانت سهلة يسيرة، لم تعقدها مشاكل الحضارة ولا السعة في مبادلات التجارة، وخصوماتهم كانت قليلة، ولهذا نرى أن آيات الأحكام في القرآن نحو خمسمائة آية، أكثرها في العبادات، وما يلحق بها من الأحوال الشخصية، مع أن عدد آيات القرآن كله نحو ستة آلاف، وأحاديث الأحكام اكثرها بيان لأحكام القرآن، أو توكيد وتقرير لها. والأحاديث التي شرعت أحكاما سكت عنها القرآن، تقرب من آيات الأحكام في عددها.
الظاهرة الثانية: أن أحكام هذه المجموعة مستقاة من المنبع التشريعي الأول لأنها إما من كتاب الله. وإما من سنة المعصوم، ولهذا كانت لها قدسيتها، ولم تكن في حاجة إلى قوة مادية لحمل المسلم على اتباعها، وكان قضاء الرسول اشبه بإفتائه، في أن كلا منهما تبيين للحق ولحكم الله، والمسلم مدفوع بدينه إلى اتباعه.
الظاهرة الثالثة: أنها ما كان فيها اختلاف ولا اشتباه. فما نص على حكمين مختلفين لواقعة واحدة وما اشتبه على مسلم فهم حكم، لأن مصدر الأحكام الله ورسوله، والمرجع هو رسول الله وحده. وكانت هذه الأحكام مصوغة في قالب قانوني روحي أخلاقي وفي أكثر موادها يتبين الحكم، وتتبين المصلحة التي شرع لها، وما يترتب عليه من تحصيل نفع أو دفع ضرر، وبهذا كان المسلم يفهم الحكم حق فهمه، لأنه يعرفه ويعرف ما قصده الشارع به، وينفذه بدافع من ضميره ووجدانه، لأنه يتقي بتنفيذه الضرر، أو يحصل به النفع وأكثر أحكامها كانت مبادئ عامة وقواعد كلية مجملة حيث المصلحة في اجمالها، ومفصلة حيث المصلحة في تفصيلها. وكانت هذه المجموعة كاملة وافية بحاجات المسلمين. وخصوماتهم، ومعاملاتهم، ملائمة أحوالهم، ولقد عدلت بعض أحكامها لتطور حال المسلمين في ذلك العهد، فنسخ حكم، وشرع بدله ما هو مثله أو خير منه في تحقيق مصالح الافراد والجماعات من المسلمين. ولما انتهى عهد الرسول وابتدأ عهد أصحابه، واجهت الصحابة طوارئ