/ صفحه 15 /
المسلمين مقصوداً به خدمة القرآن، أو تحقيق إيحاء أوحى به القرآن … حتى الشعر إنما اشتغلوا به ترقية لأذواقهم، وتربية لملكاتهم، وإعدادا لها كي تفهم القرآن وتدرك جمال القرآن، وحتى العروض كان من أسباب عنايتهم به أنه وسيلة لمعرفة بطلان قول المشركين: إن محمداً شاعر، وإن ما جاء به شعر.
وتبعاً لهذه الأنحاء المختلفة في نظر المسلمين إلى القرآن واشتغالهم به، نرى التفاسير ذات ألوان متنوعة، فمنها ما يغلب عليه تطبيق قواعد النحو وبيان إعراب الكلمات وبنائها، ومنها ما يغلب عليه بيان نواحي البلاغة والإعجاز، ومنها ما يهتم بالفقه والتشريع وبيان أصول الأحكام وهكذا.
ولعل مما يدلنا أيضاً على مدى هذه العناية أن الذين فاتتهم القدرة على معالجة القرآن من هذه النواحي العلمية، لم يفتهم أن يضربوا بسهم في نواحٍ أخرى، جعلوها مظهراً من مظاهر عنايتهم، وسبيلاً إلى نيل حظهم من رضا الله وثوابه، فهذا يكتب القرآن بخط جميل، وهذا يزخرف صفحاته وأوائل سوره، وهذا يرقم آياته، وهذا يطرز سجله وغلافه، وهذا يرصد الأموال لتحفيظه، والمكافأة على التبريز فيه، وما زالت المساجد إلى يومنا هذا محتفظة بمظهر من هذه المظاهر هو تلك المقارئ التي يجتمع فيها القراء يتبادلون فيها قراءته وتجويده والاستماع إليه.
لهذا كله أعتقد أني لا أتجاوز حد القصد والاعتدال إذا قلت: أنه لم يظفر كتاب من الكتب سماوياً كان أو أرضياً في أية أمة من الأمم قديمها وحديثها بمثل ما ظفر به القرآن على أيدي المسلمين، ومن شارك في علوم المسلمين. ولعل هذا يفسر لما جانبا من الرعاية الإلهية لهذا الكتاب الكريم الذي تكفل الله بحفظه وتخليده في قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فما كان الحفظ والتخليد بمجرد بقاء ألفاظه وكلماته مكتوبة في المصاحف، مقروءة بالألسنة، متعبَّدا بها في المساجد والمحاريب، إنما الحفظ والخلود بهذه العظمة التي شغلت الناس، وملأت الدنيا، وكانت مثارا لأكبر حركة فكرية إجتماعية عرفها البشر ! ومن فضل الله