/ صفحه 153/
ووجه إكبارنا لهذا التفسير أن قائله يجب أن يكون عالماً بأن الخالق جل شأنه خلق الانواع الحية، وألهم كل نوع منها ما به حياته وكماله، وخلق الإنسان وهو أكرمها عليه، وفطره من الصفات والميول على ما به بقاؤه وارتقاؤه، ووصوله إلى الغايات البعيدة، ومن هذه الميول اخباته لخالق الكون، وتحرى محابه ومكارهه، ليصل إلى ما يشعر به من سعادة الاتصال به، واللياذ بجنابه، اخباتاً خالصاً من الاشراك والتجسيد، منزهاً عن التأويل والتحديد.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): وإنما ابواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، يشعر بأن الدين الحق لا يلقن تلقينا، وإنما يشعر به شعوراً، فان كان لابد من تلقين فهو ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو إليه من ان الدين هو الفطرة الخالصة من الشوائب، وأنها هي الإسلام، إلى الاستسلام إلى ارادة الله، والتخلق بكل ما يثبت انه خليق بالانسان من الصفات الحميدة، والحالات الشريفة.
فهذا الادراك لمعنى الدين ليس من نوع ما كانت تحوم أرقى العقول البشرية حوله في بلاد العرب، ولا في أية بقعة من بقاع الارض، ولم يجئ مقيساً على عقلية الناس الذين عاصروا صدوره، ولا على عقلية الذين سيخلفونهم بعد قرن أو عدة قرون، ثم يزول، ولكن جاء مطلقاً ليخلد خلود الحقائق العلمية، ويؤتي ثمرته للأجيال الخالفة أضعاف أضعاف ما آتاه للذين جاء على عهدهم، فهو حجة الإسلام الخالدة، ووصفه المميز، ودليله القاطع على أنه خاتمة الاديان، وأنه أقصى ما يبلغه العقل من عرفان مصدره، وعوامل شيوعه.
نقف هنا اليوم، ونرجو أن نجول جولات أخرى في تقدير الشخصية المحمدية، وهيهات أن نبلغ كل ما نريد.