/ صفحه 160 /
فإن هذه النظرة لم تلبث أخيراً ـ تحت تاثير النظريات الالمانية وقوة الحجج التي قامت عليها ـ أن تغيرت، وأصبحت علوم السياسة تدرس من ناحيتها السياسية والقانونية معاً، حتى لقد قال بعض العلماء الفرنسيين: (إنه من المستحيل أن نجني أية ثمرة محسوسة من دراسة نظم الدولة إذا نحن لم نجمع بين السياسة وعلم القانون).
7 ـ والواقع ان اثر علماء المسلمين في الفقه السياسي أثر ملموس كبير القيمة عظيم الخطر، وأن الأساس الذي قامت عليه مباحثهم في هذا الشأن من الاتجاه صوب الفقه مع مراعاة مقتضيات الاحوال، والعدالة السياسية والاجتماعية، وحاجات الامم، هو خير أساس عولجت به هذه الشئون.
وإذا كانت المبادئ العامة التي وضعها علماء المسلمين لم تخرج إلى أوضاع ذات إجراءات مفصلة، ومراسيم مرتبة، وتقاليد راسخة، بل بقيت على حالتها الاولى من التعميم والاجمال، مما لم يجعل لها سلطانا كبيراً على عقلية جمهور المسلمين بحيث سهل صرفهم عنها بالخداع أو القوة، فان ذلك راجع ـ كما يقول بحق صديقنا الدكتور عبد الله العربي بك ـ إلى (أن الاجيال التي أعقبت الصدر الأول من الإسلام غفلت أو تغافلت عن خطر هذه الأصول، وعن ضرورة استنباط القواعد التنفيذية والاجراءات العملية التي تكفل نفاذها في كل نواحي سياسة الدولة، إذ توالت الأجيال المتعاقبة، وهي ذاهلة عن واجبها في استخراج تلك الأوضاع والاساليب العملية التي تكفل التوفيق بين هذه الأصول العامة واحتياجات كل عصر، فلم تلبث هذه الأصول الإسلامية لطول الترك أن اندثر أثرها في وجدان الشعب، ولحقها من تشويه المعنى وعبث التفسير ما جعلها مطية ذلولا لبغي الطغاة وسحق الحريات، والمطّلع على تاريخ الشرع الإسلامي لا يسعه الا ان يقرر أن وزر هذا البلاء واقع على نفر من الخاصة استهانوا بالاصول