/ صفحه 163 /
جنود وراء كبير لهم ****** من الدين قد جُردوا والخُلق
أتوا دارنا فمضى نصفهم ****** أزال العفاف ونصف سرق
وكان ذلك شأنهم فيما بينهم وبين أنفسهم، لا فرق في ذلك بين طبقة وأخرى من هذه الطبقات التي كان ينقسم إليها نظامهم.
2. ـ ما ورثه العلماء من ميراث السلف الصالح، وفي الحق أن مصر ظلت طول حياتها موالية للسنة ومذاهبها، وهؤلاء هم الفاطميون عاشوا ما عاشوا في مصر بكتبهم ودعاتهم وقضاتهم لم يستطيعوا أن يغيروا من ناحية الجوهر شيئاً من العقائد السنية، وما هي إلا أن زالت أيامهم ودالت دولتهم حتى رجع المصريون سيرتهم الاولى سنيين مخلصين.
وفي سبيل الملائمة بين هذين العاملين سارت الناحية العلمية بين المد والجذب، واختلف العلماء طرائق قددا: فريق لا يرى شيئاً من التساهل في سبيل سلطان المماليك الا إذا كان تحت شرع صريح يجيزه، وفريق كان يحاول الفينة بعد الفينة أن يجد طريقا هنا أو سبيلاً هناك من مستند شرعي ولو على تأويل ضعيف لتثبيت دعائم هذه الدولة التي أبلت البلاء الحسن، والتي كثيراً ما كان بعض سلاطينها يتظاهرون بغيرتهم على الفقه والشريعة والدين، بل كثيراً ما كان بعض سلاطينها يُجلسون للقضاء ويجلسون بعض القضاة معهم، كما كان يفعل الظاهر بيبرس، والاشرف خليل بن قلاوون، وكان إذا ما استوى على منصة القضاة قدمت إليه الخصومات على اختلاف أنواعها، فيستشير قضاء الشرع ثم يحكم بها يملية عليه رأيه، وقد ذكر السيوطي في حسن المحاضرة وصفاً ممتعاً لجلوس السلطان للقضاء في دار العدل، بل إن السلطان كثيراً ما كان يتدخل في أحكام قضاة الشرع أنفسهم ويعنفهم أحياناً إذا لم يقضوا بحكم يرضيه، وإليك ما رواه ابن إياس في حديثه عن السلطان الغوري: (وفي صفر من عام 917 صعد الخليفة إلى القلعة ليهنأ بالشهر، وكذلك القضاة الاربعة، فحصل في ذلك اليوم للقاضي شمس الدين الحلبي