/ صفحه 172/
ثم طالب الحكومة بالعدول عن هذا المشروع لهذه الأساليب، مبينا أنه لا يكره أن تضرب الضرائب المدنية مهما ثقلت ما دامت مطلوبة لحاجات الإصلاح والعدالة الاجتماعية، وختم كلمته بقوله: (ولكنني أحرص وأخشى على مبدئنا الوطني الحكيم: الدين لله والوطن للجميع).
من هذا يتبين أن الكاتب يبني معارضته للمشروع على أمور يزعم أنها حقائق مسلمة، فرغت مصر منها، وأصبحت أسساً ثابتة في نظامها، يجب أن تفتح عينها على الأخطار التي تتعرض لها إذا تنكبت سبيلها القويم.
وتلك الأسس المزعومة هي: ـ
1 ـ الفصل بين الدين والدولة، وهو " مبدأ جليل " نسير عليه في حكمة واعتدال، وقد ورثناه عن الحركة الوطنية، وأخذناه عن الدول المتمدنة، وحرصنا عليه في سائر تشريعاتنا.
2 ـ وجوب قصر الدين وأحكام القرآن الكريم، على ما يتصل بتهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، وتحريك الهمم، وبعث الوطنية.
3. ـ الاعتبار بما أثبتته التجربة حينما حاول البعض الدعوة إلى جعل القرآن الكريم أساساً للتشريع، تلك الدعوة التي ما جنينا منها إلا الشر المستطير.
ولقد أخطأ هذا الكاتب خطأ عظيماً، وضل ضلالا بعيداً، وأساء إلى دينه ووطنه وقومه، وهو يحسب أنه من الذين يحسنون صنعاً، واليكم البيان:
1 ـ أما عن المبدأ الأول الذي زعمه متقرراً ثابتاً، فإنه قد اشتبه عليه أخذ الدولة ببعض النظم والتشريعات التي تتنافى في جملتها أو بعض تفاصيلها مع الشريعة الإسلامية، فظن ذلك رفضاً للشريعة، وفصلا بينها وبين شئون الدولة، والواقع أن نظامنا المصري، منذ العهد التركي كان قائماً على اعتبار التشريع الإسلامي هو الأساس والمصدر، فكانت الدولة العثمانية هي دولة الخلافة الإسلامية،