/ صفحه 199/
خروجه واستشهاده
كانت المظالم في بني أمية قد عمت وطمت، وكان أهل البيت على وجه أخص هم هدف هؤلاء الظالمين يخشونهم، ويبثون عليهم العيون والارصاد، ويضطهدون من يواليهم، ويتعقبونهم في كل أمر، وكانت الأمة تحمل من ذلك عنتا شديداً، وإرهاقا وإزعاجا، ومحاربة في عاطفتها الدينية وميولها الطبيعية لآل الرسول: فالفئ لا يقسم بالسوية، والمظالم لا ترد ولا تدفع، والجيوش والبعوث تبقى الزمان الطويل مُجمَّرة في أرض العدو لا تُقْفَل، ولا يستبدل بها، وعليٌّ وأبناء علي يلعنون ويطردون، وتحاك من حولهم الدسائس، ويضطهدون في أموالهم وأهليهم وضياعهم وعلومهم وذكراهم وأتباعهم، وكانت مقاتلهم ومذابحهم ومظالمهم هي هِجَّيري هؤلاء، وقصارى ما يفكرون فيه، ويشتغلون به، وقد جعلوها مباراة يتبارى فيها كل من شفه الشوق إلى النباهة بعد الخمول، والقرب بعد البعد، والصولة بعد الضعف من هؤلاء القواد المحترفين، والوزراء المتملقين، وعلماء السوء، ورواة الكذب، والبرعة في التلفيق والتشقيق، وكانت عين الزمان ما تزال باكية تتهاطل دموعها على الإمام الشهيد السبط سيد الشباب أبي عبد الله الحسين وكأن كل ما في الأرض من حي أو جماد، وكل ما في السماء من طير أو كوكب، السنة تنادي بالفجيعة فيه، وعيون تبكي، وقلوب تخفق، وصدور تضيق، وجباه تقطب، وأعصاب تهتز وتضطرب أن أوذي ابن رسول الله، وقُطِّعت بأهله وأصحابه الأرض، ومُوِّت الوفاء والرحم والقربى بهم تمويتاً، وفُوِّت الحق والعدل والانصاف تفويتاً، فهل يقر ـ وهذه هي الحال ـ سيف من سيوف الله كزيد بن علي في قرابه ؟ وإيان إذن ينتضي ويستل ؟
جاشت بذلك نفس زيد، وأنها لجَّياشة بالحق، فوَّارة على الباطل، فاعتزم أمراً عظيماً، هو الخروج على هذه الدولة الظالمة الباغية، وصادف أنه كان قد ذهب إلى العراق في خصومة بينه وبين خالد بن عبد الله القسري، إذ ادعى عليه زوراً وبهتاناً وديعة ستمائة ألف درهم، ليجعل ذلك عليه نكاية، ويدبر له به ظلماً وإثقالاً