/ صفحه 200/
فلما كان في العراق لهذا، اتصل به أهل الكوفة، وألحوا عليه في الخروج على الأمويين ووعدوه النصر، ولكن هشاماً تنبه لما يحيط بالبطل، وأحس نشاطه ونشاط الناس من حوله، فأمر عامله على العراق يوسف بن عمر الثقفي أن يخرجه على عجل، فأمره يوسف بالرحيل، فرحل ولكنه لم يقطع بالعراق صلته، ولم يكف عن بث دعاته، والخوض في أمر بني أمية، وذكر مظالمهم، واستحقاقه للأمر من دون هشام، وقد قال مرة: " والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل " فبلغت هشاماً، وعرف ما تنطوي عليه نفس زيد، فقال له ذات يوم: لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها،و لست هناك وأنت ابن أمة ـ وكانت أمة سندية ـ قال: لقد كان اسحق ابن حرة، وإسماعيل ابن ابن أمة، فاختص الله ولد إسماعيل فجعل منهم العرب، فما زال ذلك ينمى حتى كان منهم رسول الله !
ولم ينشب بعد لأي أن خرج ودعا الناس إلى بيعته وكان يقول لهم: " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفئ بين أهله بالسواء، ورد المظالم واقفال المَجَّمر ـ أي إرجاع الجيش من أرض العدو بعد مدة لا تطول ـ ونصرنا أهلَ البيت على من نصب لنا وجهل حقنا ـ أتبايعون على ذلك ؟ فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يدهم.
ووصلته البيعة من كثير من الفقهاء والقراء وأهل البصائر (1) فلم يلبث بنو أمية أن بعثوا إلى الكوفة بالجيوش لمناجزتة، فخرج معه بعض أهل الكوفة وتخلف عنه آخرون، وكانت المعارك ما بين الكوفة والحيرة، فلما جد الجد تفرق
*(هوامش)*
(1) وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبين إن أبا حنيفة كان ينصر زيداً ويميل اليه، وأنه أرسل إليه يقول: (إن لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح) وبعث بمال إلى زيد فتقبله منه. وقال الزمخشري في الكشاف (وكان أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي، وحمل المال اليه، والخروج معه على اللّص المتغلب المستمي بالإمام والخليفة).