/ صفحه 235/
وتحركت الأفاعي الكامنة المتلبدة، وانطلقت من مكانها، تلبس لباساً يواري سوآتها، وتظهر في صور شتى، وألوان مختلفة، مرة في السياسة بإثارة الأحقاد، وبث الفتن والمكائد، وإذكاء نيران العصبية، وتخويف كل فريق من الاخرين، مرة بافساد العلم والفكر، عن طريق الوضع والافتراء والتأويل الفاسد، وإثارة الشبه، والخوض فيما نهى الله ورسوله عنه، وتحرج المسلمون الأولون منه، وبهذا وجدت الأحزاب السياسية، وانبعثت العداوات القديمة والإحن الماضية من مراقدها.
وتفرقوا شيعاً فكل قبيلة ******* فيها أمير المؤمنين ومنبر
وبهذا وجدت الفرق الدينية، واشتغل الناس عن المثمر من العلم والنظر بالخلاف فيما لا يغني ولا يجدي ن وامتلأت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بالفتن السياسية والعلمية، وشحنت الكتب بآثار هذا الخلاف فاختلط الحق بالباطل، وشيب الصالح بالفاسد، وتوالت على ذلك القرون والاجيال، والضعف يتبع الضعف، والداء يسري من جانب إلى جانب، حتى أفضى الضعف السياسي إلى تلك النكبات التي يلاقيها المسلمون على أيدي المستعمرين " وأفضى الضعف الفكري إلى تبلبل أفكار الأمة، وتفاوت النظر فيها، فمن عالم ينادي بأن كذا هو الحق، وما سواه باطل، بل هو الدين وما سواه كفر وإلحاد، ومن آخر يعكس القضية ويزري على الأولين، ومن طائفة تعكف على نفسها، وتؤمن بما عندها، وتخاف من كل طائفة سواها، إلى طائفة تُظَن بها الظنون، وتفرض فيها السوء، وتحمل عليها، وتنبز علماءها، وتحقر أهلها.
وقد غذيت هذه الخلافات، وهذه السياسات بكثير من الروايات الملفقة، والاحاديث الموضوعة، والأخبار المفتراة، وامتلأت كتب التفسير والمغازي والمناقب بما لا يحصى من الأكاذيب، وأصبح بجوار كل آية في كتاب الله رواية من الروايات تحمل عليها، بل تلوي اليها، وفسر القرآن بما يوافق أصحاب الآراء، وقبل من الاحاديث ما يؤيدهم، وطعن فيما يخالفهم، واشتبه الامر فيما