/ صفحه 256/
يحفظ للإسلام طابعة الالهي، ولا يتاتى ذلك الا إذا أحيط بسياج من العلم، وتجلى كل هذا على حقيقته لمحمد (صلى الله عليه وسلم) فكان باعثا قويا له على الدعوة اليه، في ألوان شتى من البيان، فكان مما أثر عنه أنه قال: (أطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلبة فريضة على كل مسلم) وهذا أول تصريح لداعية ديني بأن يستنفد الإنسان وسعه لطلب العلم حتى لو كان لا سبيل إليه الا بالانتقال إلى ابعد بلاد العالم.
وانظر إلى قول محمد (صلى الله عليه وسلم): (ليس مني الا عالم أو متعلم)، وقوله: (كن عالماً أو متعلما ولا تكن الثالثة فتهلك). تجده يجرد من الانتساب إلى الدين، الجاهل الذي رضى بجهله فجمد عليه، وينذر بالهلاك، من اكتفى بالدخول في الإسلام وأهمل ان يزداد علما.
ومن أعجب ما يؤثر عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو قول يدل على غاية لا تدرك من سمو الادراك، وعلى بعد في النظر ليس بعده مرمى، قوله: (من ظن ان للعلم غاية فقد بخسه حقه، ووضعه في غير منزلته التي وضعه الله بها حيث يقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). فلعمري إذا كان هذا القول حقاً، وهو حق لا مرية فيه، فهو ليس من مدارك أمة لقبت بالأمية، ولا من حظ بلاد ليس بها أثارة من علم، بل ليس من مألوفات الأمم كافة في عهد عرف قادته بمحاربة العلم، والحط من سمعته في سبيل ترويج مزاعمهم الدينية.
هذا ولم يغفل محمد (صلى الله عليه وسلم) وجها من وجوه الحث على الاستزادة من العلم الا اتى به. من ذلك قوله: (ليس الحسد والملق من خلق المؤمن الا في طلب العلم).
ولما خشى أن يطغى الميل إلى العبادة على الميل إلى العلم، صرح بأن طلب العلم من أجَل حزوب العبادة، وأكثرها ثواباً، فقال: (مجالسة العلماء عبادة) وقال: (العلم أفضل من العبادة وملاك الدين الورع). وقال في رفع أقدار العلماء، والاشادة بكرامتهم: (بين العالم والعابد سبعون درجة). ومن هنا اخذ ابن عباس رضي الله عنه تفسيره لقوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين