/ صفحه 28 /
لذلك كان لابد من الدين لحياة القلب، وحياة الضمير، وتحقيق السعادة، وبدونه تصبح الحياة جافّة مادية تافهة لا قيمة لها.
هذا فضلاً عن أن الدين هو الذي يتفق والطبيعة الإنسانية، والغرائز البشرية فمن فقد دينه فقد أفسد طبيعته، وجزاؤه على ذلك الحيرة والاضطراب وقلق البال وزعزعة النفس. وخاصة عند الشدائد، أو عند الشيخوخة، أو عند حضور الموت.
وإذا كان الدين هو الذي يتفق والطبيعة البشرية وهو الذي يكمّل نقص العلم، وهو الذي يسعد الناس ويطمئنهم ويرقي بهم، كان ضرورة من ضرورات الحياة أشدّ من العلم.
وليست الأديان كلها بمنزلة واحدة في تحقيق هذا الغرض، فقد يضرّ الدين إذا كان دين خرافات وأوهام، يقف حجرة عثرة في سبيل العلم، وقد يضّر الدين إذا كان لا يتفق مع الطبيعة الإنسانية فيدعو إلى العزلة والتبتل والرهبانية، وقد يضر الدين إذا ملأ الإنسان رعباً وخوفاً ورهبة فشّله عن العمل في الحياة، وقد يضر الدين إذا لم يكن روحانيا واقتصر على الانهماك في اللذائذ والاستهتار بالحياة، إنما الدين الصحيح ماسما بالإنسان فوق حاجاته الجسمية، وأوثق الصلة بينه وبين الله العادل الحكيم المتصف بجميع صفات الكمال، المنزه عن جميع صفات النقص، والدين الصحيح هو الذي يبث في نفوس أصحابه روح الأخوَّة بينهم وبين سائر أفراد البشر لأنهم جميعاً من صنع إله واحد. والدين الصحيح هو الذي يتمشى مع الطبيعة الإنسانية ولكنه يرقيها، ويحيي غرائزها ولكن يعدِّ لها ويلطفها، والدين الصحيح هو الذي يربط عبادة الله وطاعته بخير الناس، ويربط عصيانه بفساد الناس ويبث في نفوس أتباعه حب العدل والإخاء والمساواة وكره الظلم والطغيان والطبقات. والدين الصحيح هو الذي يرقي القلب ويحييه، ويوحى إلى الضمير باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.