/ صفحه 285/
وهذا متناول لا يسمو إليه الأفراد، ولا تصل إليه الجهود المبعثرة، والقوى المتفرقة، وإنما السبيل إلى بلوغه: هو أن يُنشأ معهد للدرس والبحث، على نمط المعاهد التي تنشئها الأمم الراقية لتبحث في ناحية من نواحي الصحة أو الاجتماع، وتكون مهمة هذا المعهد ـ الذي يقصر على الباحثين والعلماء دون طلاب يتعلمون ـ أن يبحث في شئون الطوائف والبلاد الإسلامية المعاصرة من حيث الفكرة الدينية عقيدة وشريعة ومعارف كلامية، وأن ينظر في علاقة أهلها بالمذاهب السابقة، ومدى هذه العلاقة، وأن يفحص ما عسى أن يكون عندها من مؤلفات ورسائل ومقالات، وأن يتابع في ذلك الخاصة من أهل العلم والفكر ويعرف لم اختلف هؤلاء مع العامة فيما يتعصبون له، ويجعل لكل طائفة وبلد سجلا خاصا يحوي جميع البحوث والمعلومات التي تتعلق بهذه الطائفة أو بهذا البلد، ويحوي مقارنات بين الماضي والحاضر إلى غير ذلك من الدراسات العلمية المنظمة التي تصور لكل من يريد العلم الصحيح والحكم الصادق صورة الحياة الدينية في كل ناحية من نواحي الأمة الإسلامية، ولدى كل طائفة تنتسب إليها.
بذلك يمكننا في سهولة ويسر أن نعرف أوجه الوفاق والخلاف على صورة محدودة، وأن نصلح ما أفسده الدهر، ونحقق ما زوره التاريخ وننشر في ربوع كل دولة ما عند الأخرى، فيتبادل المسلمون الثقافة الصحيحة ويعرف بعضهم بعضاً على حق. وتزول من بينهم الجفوة والقطيعة، ويأخذوا سبيلهم إلى الوحدة والألفة التي لا يصلح أمرهم الا عليها، ولا يستقيم شأنهم إلا بها.
وإن هذا المعهد ليحتاج إلى قوة ثابتة متركزة لها إشراف ديني ومركز ثقافي، ومال ضخم، وصلات متوثقة بالعالم الاسلامي، ومقام كريم بين أهله، لأن ذلك كله مما يعين هذا المعهد على النجاح في فكرته، والقيام بها على وجه مثمر، ويفتح الآفاق ويذلل الصعاب أمام رجاله، في بحوثهم وفي رحلاتهم وفي مراسلاتهم.
وأعتقد ان الازهر هو أولى الهيئات بإنشاء هذا المعهد العظيم، وأنه خير من يعهد إليه بالقيام على هذه الفكرة الجليلة، العظيمة الاثار، فهل يكون ؟