/ صفحه 288/
ومهما يكن من أمر فقد بايع عليٌّ لأبي بكر. وسلمت وحدة المسلمين وذهب النزاع. وإذن فاختلاف الآراء على حكم المسلمين أو إمرتهم أو الخلافة كما سميت، كان خلافا عاديا في وجهات بين الانصار والمهاجرين، ثم ثاب الانصار إلى رأي المهاجرين مختارين لا مكرهين فذهب الخلاف ولم يبق الا سعد بن عبادة مصرا على رأيه غير متهم في دينه وعقيدته، وخالف عليّ أو لم يخالف وبايع للصديق راضيا، وبذلك سلمت وحدة الأمة من خلاف عابر لا صلة له بأصل من أصول الإسلام، وهو خلاف يحدث بين زعماء الفكر والسياسة في البلد الواحد في مختلف العصور، ابتغاء الصالح العام للأمة. وهو شبيه باختلاف الاحزاب السياسية على الوسائل في الوصول إلى هدف متفق عليه في العصر الحديث. أو اختلاف العلماء في الفروع الفقهية اختلاف رأي لا اختلاف دين، لا إثم فيه ولا تثريب على أحد.
هذه المسألة بالذات " مسالة الخلافة " وهي من أمهات المسائل التي فرقت وحدة الأمة. أو هي أم مسائل التفريق قد عولجت فيما بعد ـ في عصر التدوين والتفرق والتعصب الجنسي وضعف وازع الدين في قلوب المسلمين ـ علاجا يوحي إلى القرّاء بانقسام المسلمين انقساماً دينيا خطيرا حول " الخلافة " ثم صبغوا هذا الانقسام بصبغة عقيدية ظلموا بها السابقين الاولين من المهاجرين والانصار، وولّدوا الروايات لتبرير ما زعموه خلافا في الدين، وقالوا: إن التشيع لآل البيت ظهر في المدينة بمجرد موت الرسول وجعلوا للشيعة إذ ذاك وجوداً مذهبياً وفاتهم أن المسلمين جميعاً شيعة للرسول منذ بُعث ولآل بيته، وتحدثوا عن إمرة المسلمين (الخلافة) وهل هي جزء من الدين وركن من أركانه. أو هي أمر يقره الدين ويقتضيه وجود جماعة للمسلمين متميزة بكيان خاص وتشريع خاص، أو هي شئ لا لزوم له اطلاقا في الدين. ثم فرقوا في المعنى بين حكومة المسلمين (الخلافة) وحكومة غيرهم تفرقة تعسفوا فيها، وربطوها بالدين، وهكذا جروا الآراء المتأخرة التي انتجها عصر الضعف وفرضوها وفسروا بها الحوادث في عصر لم يعرفها ولم تعرفه، وفاتهم ان الشورى. ووجود جماعة من ذوى