/ صفحه 291 /
على بن ابي طالب، ولأن سعداً لم يبارز الخلفاء على " الخلافة " ومات قبل الفتنة الكبرى طويت صفحته من الخلاف، حتى لا تكاد جمهرة المسلمين يعلمون أنه خالف ابابكر وعمر، ومات ليس في عنقه بيعة لإمام.
ونظرا لان علي بن أبي طالب أعقب كثيرين من النابغين الطموحين إلى الرياسة، ولأن إمرته للمؤمنين بعد عثمان حُفت بها الفتن، اصطنع خلافه للأئمة الاولين، وألبس لباسا عقديا أدى إلى (إيذاء) الثلاثة الخلفاء الراشدين السابقين عليه، ليثير ذلك قوما من أنصارهم فيدفعوا عنهم ويتهموا غيرهم بمثل ما اتهموا به، وغاب عن الجميع أن الخليفة الرشيد علي بن أبي طالب كان خير معوان لأبي بكر وعمر وعثمان، لم يعرف عنه اتهام لهم في دينهم أو سياستهم، وأن عليا ليس اقل من سعد بن عبادة فلو أنه رأى رأيا غير رأي الجماعة لأصر عليه كما أصر سعد على رأيه على الأقل، ولكنه رأى مصحلة الإسلام والمسلمين في البيعة فبايع، ثم في أي زمن ؟ في عصر بلغت العاطفة الدينية فيه أوجها، والقوم جميعاً يعرفون مكانة علي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجهاده في سبيل الله مما يرجح لدينا ان عليا لو خالف لوجد الانصار كثيرين والأعوان كثرة في كل مكان، وأن الأمر كما قال سيدنا زيد بن علي زين العابدين، " إن الخلافة فوضت لأبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثأثر الفتنة وتطييب قلوب العامة فإن عهد الحروب النبوية كان قريبا وسيف أمير المؤمنين (علي) من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي ـ إلى أن قال: فكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرفوا باللين والتودد والسبق في الإسلام والقرب من الرسول، ولم يكن أحد أقوى على ذلك من أبي بكر " وكما يقول الإمام ابن ابي الحديد في مؤاخذته للسابقين من السنة والشيعة: " ولقد كان الفريقان في غنىً عما اكتسباه واجترحاه، ولقد كان في فضائل علي الثابتة الصحيحة، وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف العصبية لهما " فهل نستطيع القضاء على هذا التعصب في دراسة التاريخ والتفرغ إلى اجتثاث أصل البلاء.