/ صفحه 31 /
تجاهل مقتضيات التعامل مع الناس حتى انتهى الأمر بهم في كثير من الحالات إلى استحالة تطبيق تلك النصوص، فالتمس الحكام الحل فيما أسموه (قانون العدالة) الذي حكموه إلى جانب القانون الروماني الجامد لسد نقصه وتقويم عوجه.
قامت الشريعة الإسلامية على هذا الاساس السليم، وحلت مع الإسلام أينما حل، وفي القرون الوسطى حين بدأت النهضة العلمية في أوروبا تفتحت أعين الباحثين والمفكرين عن شريعتين رئيسيتين في العالم، الأولى: شرعية الإسلام في بلاد المسلمين، والثانية: شريعة الرومان في القارة الأوربية. إذا استبعدنا الشريعة الانجلوسكسونية التي لم تكن ترقى إذ ذاك إلى مرتبة القانون الروماني، فكان طبيعياً عند ما بدأ البحث في مقارنة الشرائع أن يتطلع الباحثون إلى الشريعة الإسلامية والى ما استحدثته من أحكام سبقت بها الشرائع الوضعية، وأن يقوم الجدل حول مقارنتها بالقانون الروماني، لكن هذا الجدل لم يدفع إليه التحقيق، العلمي والبحث الخالي عن الشهوة، بل قام أشده على التعصب والتجني على العلم والهدى، وتولاه نفر من المستشرقين من دعاة الدين المسيحي، يسعون به إلى النيل من الإسلام برّد ما جاء به من البينات إلى أصول من عندهم وبالعمل على إثارة الشك في أصول تلك الشريعة، عسى أن يجدوا ما يقيم حجتهم في التدليل على قيام الصلة بينها وبين قانون الرومان، أو ما يثبت الاقتباس من أحكامه.
والحق أن جملة القول في هذا البحث أنه يخلو من الحجة ويفتقر إلى الدليل، دفعه روح التعصب، وتلمس القائلون به سندا له مما أرتأوه من صدفة الاتحاد أحياناً في الفكرة أو في الحلول المقررة في كل من الشريعة، وفي قانون الرومان، لكن مجرد الاتحاد بين فكرتين لا يكفي للقول بأن المتأخر أخذ من المتقدم، بل لابد من إثبات التلاقي في أصول الفكرتين مع اتصال السند كما يجب التحقق من التقدم والتأخر.
وللتحقق من التقدم والتأخر يجب التمييز بين القانون الروماني القديم ـ وهذا أقدم عهداً من الشريعة ـ وبين القانون الروماني الحديث الذي ظهر في أوروبا في