/ صفحه 319 /
الناحية الفكرية من المسلمين كما أدرك غيرها من النواحي، وإذا صح أن أحداً من عامة هذه الطوائف ما زال متمسكاً بحبال الماضي، فإن هؤلاء ليسوا هم الذين يمثلون فكرة الشعب أو الطائفة، وإنما هم أفراد مقلدون في حاجة إلى من يبصرهم بالحقيقة، ويجلوها لهم ناصعة واضحة تدركها عقولهم، وإذا كان على الخاصة من المسلمين أن يبثوا فكرة الدين الصحيحة، والعقائد السليمة لمخالفيهم في الدين والعقيدة، وأن يكافحوا عنها وينافحوا بالبرهان والحجة والموعظة الحسنة، فأولى بهم أن ينظروا إلى أبناء دينهم نظرة قوامها الرحمة والتسامح، ليرشدوهم إلى الطريق ويهدوهم للتي هي أقوم دون عنف ولا لجاج، وإن أهدى السبل إلى ذلك لهي سبيل النشر والتعليم وبث الأفكار الصالحة، ونشرها في كل بقعة من بقاع الأرض يوجد فيها مسلم يؤمن بالله وكلماته، ويدين بالخضوع لرسوله الكريم، فإن المواظبة على ذلك، والمثابرة عليه كفيلة بهداية الضالين، وطمأنة الحائرين، وتقويم المعوجين، على شريطة أن يتجرد القانون بالدعوة عن كل تعصب، وأن يسموا بدعوتهم وفكرتهم عن أية نزعة عصبية أو عنصرية، وأن يؤمنوا إيماناً عميقاً بأن غايتهم التي إليها يسعون، هي أشرف الغايات، لأنها هي تصفية الإسلام مما علق به، وتنقية المحيط الاسلامي من أوضار الجاهلية الأولى التي كادت تعصف فيه بكل معنى كريم.
إن العالم قد تغير، وقد أصبحت عليه مبادئ أخرى في الحياة غير مبادئ الخلاف الذي لا طائل تحته في ألوان المعارف والنظريات الكلامية، ولا ينبغي أن يظل المسلمون وحدهم في معزل عن الناس، يشتغلون بالآراء التي ليست لها فوائد عملية، وليست تثمر إلا المتاعب وكد الأذهان والعقول، وتوسيع شقة الخلاف وتعميق هوّته، وحسبهم أن يكونوا كأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عقيدتهم الدينية، وأن يتجنبوا ما كانوا يتجنبون من الخوض في الشئون الغيبية، و المسائل الخلافية، حسبهم أن يؤمنوا بالله رباً، وبالقرآن كتاباً، وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) رسولاً، وأن يؤدوا ما فرضه الله ورسوله عليهم من عقيدة وعمل، وأن يعملوا في ظل هذا البرنامج الموحد، وفي ضوء