/ صفحه 332/
ويدعون إليها أهل المشرقين وأهل المغربين، ويحشدون لها العقول والعلوم والفنون والمواهب، وسواعد الجند، وخزائن المال، ودهاء الساسة، وتجارب القادة، وقصارى ما يستطيعون دون ذلك أو فوق ذلك من جهود وقوى، ومن ثمت غُزيت الأفكار، قبل أن تغزى الديار، بالنازية أحياناً، والفاشيّة أحياناً، والشيوعية أحيانا، ووقف في الجانب الاخر قوم يتنادون بما يسمونه الديمقراطية أو الاشتراكية. وقُرعت الأسماع بمبادئ ولسن، وحريات روزفلت، وميثاق الاطلنطي، وخلبت الانظار بعصبة الأمم، ومحكمة العدل، ومجلس الامن، وقال الذين استكبروا للذين استضعفوا: بشراكم اليوم فقد أظلكم عصر حرية الشعوب وتقرير المصير، والتخلص من الظلم والعوز والخوف، وآدنت السماءُ الأرضَ بسلام وعدل دائمين تنام في ظلالهما الثاغية إلى جانب الباغية فلا تخاف ظلما ولا هضما.
وبات العالم مشغولا بهذه الافكار التي تثار، فأُلفت الاحزاب، وكوّنت الجماعات، وصنفت الكتب، ونشرت الصحف، وبثت الدعاوات، وصور الامر للناس في كل امة على أن حروب القهر والغلب والتوسع قد دالت دولتها من الأرض، فان تكن اليوم حرب فهي بين الخير والشر، والصلاح والفساد، والحق والباطل، والعدل والبغي، حرب افكار ومبادئ ومُثُل، وما هي الا جولة أو جولتان حتى تضع هذه الحرب أوزارها، ويغشي الأرض السلام.
ومن عجب أن الذين وقّعوا على أسماع العالم هذا النغم فاستنام إليه وسكن، قد استطاعوا أن يخدعوا به الناس مرتين في حربين متعاقبتين كانت نوايا السوء بعدهما تسفر واضحة ليس من دونها حجاب، وأكبر الظن أن العالم سيخدع بذلك مرات آخر، لأن السلام والعدل والأمن هي أقصى آمال البشر، ومن دأب النفوس أن تصدق حديث الامال، وتركن في شأنها إلى الوعود والمواعيد.
إن العالم لم يعرف " الجهاد " بمعناه الصحيح، وباعثه الشريف، الجهاد من