/ صفحه 35 /
أن يقتبس من تلك التقاليد، ويستأنس بذلك العرف حيث لا يجد للحكم أصلاً في الكتاب أو السنة، أو فيما أجمع عليه، أو أخذ بالقياس، وذلك في نطاق ما أتت به تلك المصادر الأربعة من أحكام ومبادئ عامة لا يجوز الخروج على نصوصها وروحها.
على أننا إذا استقرأنا حوادث التاريخ إلى عصر الأئمة وتابعيهم لا نجد للقانون الروماني من سبيل إلى هؤلاء الذين أسسوا بناء الشريعة وأقاموا صرحها إلا فيما استقر من بعض التقاليد ببعض البلاد العربية على ما قدمنا إذ لم يكن القانون الروماني من بين ما نقل إلى العربية في عصر الترجمة كما أكد ذلك المؤرخون. وجدير بالذكر أن الحلول الفرعية التي أتى بها منهم أ بو حنيفة وأحمد الشافعي، لا تتفق مع أحكام القوانين السائدة في القارة الأوربية، بقدر ما تتفق معها بعض الحلول التي قال بها الإمام مالك وهو الوحيد من بينهم الذي لم يغادر أرض الحجاز أبداً في حين اتصل الباقون بالأمصار الأخرى. وهكذا فان اتحاد الفكرة قد جاء عرضاً، بل إن مذهبه دون غيره من المذاهب هو الذي ساد بلاد أفريقيا الشمالية حتى وصل بلاد الأندلس.
وصفوة القول أن الشريعة الإسلامية في أصولها، وما يرجع من أحكامها إلى ما أورده الكتاب أو جاءت به السنة، أو كان مرده الإجماع أو القياس، منبتَّة الصلة بالقانون الروماني، وأنه من الجائز أن تكون بعض الفروع التي جاء بها الأئمة والمجتهدون قد تأثرت بعوائد بعض البلاد التي خضعت حينا لحكم الرومان.
ولكن إذا قيل بأن فرعاً من الفروع قد قبسه الفقهاء مما سبقهم من الشرائع، أو تأثروا بما اتبع من العوائد، التي لا تخالف أصولهم المقررة، فان هذا القول يجب له الدليل ويلزمه البرهان، ولا يكفي التلاقي في الفكرة للقول بأن المتأخر نقل عن المتقدم، والله يهدي إلى الصراط المستقيم.