/ صفحه 373/
كتب التعليم، والتطاول لوضع تخوم للعلم، ورسم حدود لما يمكن معرفته، كما كان يود ذلك اجوست كونت " انتهى.
وقال العلامة الرياضي الكبير (هنري بوانكاريه) العضو بالمجمع العلمي الفرنسي في مقدمة كتابه (العلم والافتراض) بعد ما وصف استسلام العلماء لكل ما اطلقوا عليه اسم العلم.
" لما تروّى العلماء قليلا لاحظوا مكان الفروض من هذه العلوم، ورأوا أن الرياضي نفسه لا يستطيع الاستغناء عنها، وأن التجربة لا تستغني عنها كذلك، حنيذاك سأل بعضهم بعضا هل كانت هذه المباني العلمية على شئ من المتانة ؟ وتحققوا أن نفخة واحدة تكفي لجعل عاليها سافلها ".
هذا وإني استطيع ان آتي على عدد كبير من هذه الاعترافات، وكلها تدل على إفاقة العقلية من غشيتها، وعلى أنها استردت اتزانها، ولست في حاجة لأن أقول بعد هذا: إنه بزوال هذا السد الفولاذي الذي كان قائما امام العقول، انفتح أمامها مجال النظر الصحيح، والاستدلال القويم، وخلصت من كابوس الانخداع الذي كانت تحت تأثيره عشرات السنين. ولكن هل بلغ هذا التطور العظيم انصاف العلماء ومريديهم من كل قبيل في مشارق الأرض ومغاربها ؟ لا، فلا يزال السواد الأعظم في غفلة من هذا، ولا يزالون ينشرون الالحاد حيث يوجدون، ولم يفت هذا الأمر أئمة العلم الأعلين. قال العلامة (جوستاف لوبون) في كتابه المتقدم ذكره:
" لا مشاحة في أن الأصول التي كان العلم يختال بها اختيالا لم تزل كل الزوال، فستبقي امدا طويلا ـ في نظر الدهماء ـ كحقائق مقررة، وستستمر الكتب الابتدائية على نشرها، ولكنها قد فقدت كل ما كان لها من القيمة في نظر العلماء الحقيقيين ".
وبعد فهذا هو خطر العلم الذي أشرت إليه في مقالي السابق هنا، على كثير من العقول، وليس بخافٍ اليوم أحد عليه هذه العقول من الاصرار على