/ صفحه 385/
وخلفهم الرومان على السيطرة والفسلفة، فاعتنقوا هذه النظرية ايضاً، واعتقدوا ان غيرهم عبيد لهم، وإن كانوا قد اعطوا هؤلاء (البرابرة) شيئاً تافهاً من الحقوق الإنسانية.
وفي الشرق اعتز الفرس بقوميتهم وعنصرهم إلى حد بعيد، ورأوا غيرهم همجا ليس لهم من الشرف الالهي مثل ما لهم !
والى جانب هؤلاء كان العرب، أُمة شّعبتها العصيبة، وفرقتها الاهواء والنزوات فلا رابط يربط بين قبائلها، ولا جامع يجميع شتاتها، حتى احترب بنو الأب الواحد في سبيل الهوى والشيطان، وسيطر التعصب على كل شئ عربي وتحكمت العصبية القبلية حتى كانت الموجه الأول للحياة العربية، والحروب الطاحنة التي دارت بين الفرس والاغريق ثم بين الفرس والروماان وبين الرومان والقرطاجيين وبين الفرس والعرب في ذي قار، خير دليل على مدى الكفاح بين القوميات في العصور التي سبقت الإسلام، ولم تستطع جميع الرسالات وجميع الفسلفات قبل الإسلام وقف تيار العداء والحرب بين القوميات، بل لم تستطع التقلل من ويلات الحروب أو التخفيف من هوس العصبية وجنونها.
فلما جاء الإسلام، والعالم المتمدن ـ الفرس والروم ـ في نضال دموي رهيب والعرب في تطاحن قبلي مرير، أعلن فساد هذا الوضع الاجتاعي العالمي، كما أعلن فساد الوضع الديني سواء بسواء.
جاء الإسلام فقرر العلاج الناجع لداء الإنسانية الذي استعصى على جميع الديانات والفلسفات، فرآى أن يجمع هذه القوميات المتحاربة تحت لواء واحد، ليس لواء السيطرة والسيادة لإحداها على الأخرى، وليس لواء التحالف بين قوميتين على ابتلاع غيرهما، ولكن لواء الأخوة الإنسانية، التي تقتضي المساواة والعدل والحب والسلام، يوجه هذا اللواء روح ديني يتغلغل في نفس الإنسان حتى يختلط بدمه، ويضمن هذا التوجيه دستور قويم، ليس من وضع طامع ولا متعصب، دستور عالمي من وضع خالق العالم، العليم بذات الصدور