/ صفحه 394/
معناه الحقيقي الذي يجري التعبير به في وضع اللغة، والذي تذكره القواميس، وكان حومهما حول هذا المعنى في ظل ما تأثرا به من ظن أن العذاب يوم القيامة إنما هو جسماني كله، كعذاب النار وما فيها من الأهوال، اعاذنا الله تعالى وإياكم منها، ولكن الشريف رضي الله عنه لا يعجبه ذلك النقد، ولا يراه في تأويل الحديث رايا، فيخطئ الرجلين جميعاً، ويقول إنهما ذهبا عن الصواب ذهابا بعيداً، وإن كان غلط ابن قتيبة أفحش وأقبح، لأنه علل غلطه فأخرجه إلى أغاليط كثيرة.
ثم مضى السيد فذكر لنا أولا رأيه في المعنى " الأجذم " في الحديث، وخلاصته أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما أراد بقوله " يحشر أجذم " المبالغة في وصفه بالنقصان عن الكمال، وفقد ما كان عليه بالقرآن من الزينة والجمال، والتشبيه له بالأجذم من حسن التشبيه وعجيبه لأن اليد من الأعضاء الشريفة التي لا يتم كثير من التصرف إلا بها، فمن فقدها، يفقد ما كان عليه من الكمال، وتفوته المنافع والمرافق التي كان يجعلها ذريعة إلى تناولها، وهذه حال ناسي القرآن ومضيعه بعد حفظه، لأنه يفقد ما كان لابسا من الجمال، ومستحقاً له من الثواب، قال الشريف: " وذلك ظاهر لمن كان له أدنى معرفة بمذاهب العرب في كلامها، فإنهم يقولون فيمن فقد ناصره ومعينه: فلان بعد فلان أجدع، وقد بقي بعده أجذم، وقال الفرزدق يرثى مالك بن مسمع:
تضعضع طودا وائلٍ بعد مالك واصبح منها مَعْطِس العز أجدعا
وإنما أراد المعنى الذي ذكرناه، وللعرب ملاحن في كلامها، وإشارات إلى الأغراض، وتلويحات بالمعاني، متى لم يفهمها وبتسرع إلى الفطنة لها من تعاطى تفسير كلامهم، وتأويل خطابهم، كان ظالما نفسه، متعديا طوره ".
ثم بين الشريف وجه الخطأ فيما ذهب إليه أبو عبيد وابن قتيبة، فذكر أن الأجذم هو الأقطع لا محالة، ولكن معناه الحقيقي غير لائق بهذا الموضع، لأن الجذم لو كان عقوبة لكان ناسي القرآن يستحق عقوبة على نسيانه، وكان حفظه