/ صفحه 400/
هذه الرابطة هي الربطة المقدسة التي أوجدت من جميع العناصر أمة موحدة كبيرة العدد، مؤتلفة القلوب، متحدة المقاصد، قوية الارادة، أدهشت العالم بقوتها وعبقريتها، وكانت خير أمة أخرجت للناس، وإذا كانت " الجامعة العربية " حين صفا جوها، وتوجهت القلوب إليها، قد نبّهت العالم إلى قيمة العرب، والى وجوب التفاهم معهم، وإحترام حقوقهم، مع انها لا تعتمد إلا على روابط من اللغة أو الجوار أو العمومة أو الخؤولة، فما أحرى " الجامعة الإسلامية " أن تلفت العالم إلى أمة متماسكة قوية لا ترضى بأن تهتضم، ولا تستنيم إلى عسف يراد بها، بل تؤدي في العالم رسالتها السامية على بصيرة من أمرها، وقوة في شكيمتها، ونفاذ في عزيمتها، ويومئذ تشرق على العالم شمس الرسالة المحمدية من جديد، فتطهر عفونات الفساد، وتقضي على أسباب الشقاء، وعوامل الحرب والفناء.
وأول واجب على المسلمين في سبيل تحقيق هذا المقصد الشريف، أن تصفو منهم القلوب، وتستل من بينهم العداوت، وأن يتخففوا من الخلافات المضنية التي فرقت بينهم، ومكنت الخصوم والأعداء من أعناقهم، فإنه لا قوة مع خلاف، ولا هيبة مع نزاع وشقاق، ولا تجدي دعوة من الدعوات يوجهها إلى العالم قوم هم أنفسهم عنها معرضون، ولطريقها السوي متنكبون، ولقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما يصيب هذه الأمة من تفكك نتيجة للخلاف والجهل الطاغي، في غير حديث من أحاديثه الشريفة، ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها، قالوا: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل " وقد حققت الحوادث، وأثبت التاريخ هذا الخبر النبوي الصادق، فرأينا كيف احترب المسلمون، وتقطعت بينهم الأواصر، وأرخوا العنان لعوامل الخلاف، وأسباب النزاع، حتى تحكمت في عامتهم وخاصتهم قرونا من الزمان، وكيف غذاها أعداؤهم ودعاة السوء بينهم حتى أثمرت المر البشع، فذاقوا منها لباس الجوع والخوف