/ صفحه 418 /
والنظم والقوانين، فكان المثل الأعلى لكل أولئك، والمثل السائر لكل مكرمة وكرامة بين الناس أجمعين.
جاء محمد (صلى الله عليه وسلم) بدين هو دين الوحدة في العقيدة والاتجاه، دين الوحدة في الفكر والعمل، دين الوحدة في العقيدة، لأنه ما جاء إلا بدعوة الاعتقاد بأن خالق الكون ومدبره، والمهيمن على الكائنات، والمسيطر على الموجودات إله واحد، هو الفاعل الكامل، والغني المطلق، والمتصرف القدير، يرقب النيات، ويحكم الضمائر، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ليس مع أمره أمر ولا دون حكمه حكم لأي كائن كان من كائنات هذه الحياة، لا ضدّ له ولا ندّ، ولا كفو ولا شبيه، سبحانه وتعالى عما يشركون، وأنت تعلم ـ وكل من له لمحة من ثقافة يعلم ـ ما لهذه العقيدة من بليغ الأثر في النفس، ومجتمع الحياة وحياة الاجتماع، فما عقيدة التوحيد ـ ولا يعرف الكثير منها إلا أنها عقيدة فحسب ـ إلا رأس كل ملكة فاضلة، وروح كل فضيلة نفسية سامية، وأساس كل عمل فاضل من فضائل الملكات.
إن عقيدة التوحيد أساس الصدق ـ سواء أكان في القول أم في العمل ـ أساس كل فضيلة، ذلك أن الإنسان ـ وقد عرف أن من بيده أمر هذه الكائنات في كل أحوالها واحد ـ لا يرى حينذاك أي كائن غير الله سبحانه، شيئاً يستحق المجاراة والمداراة ـ إلا من حيث أمر الله ـ فتزهق حينذاك نفس الكذب والخداع وتزهق روح الدجل والرياء، وما للبشر والرياء للبشر، ولا نفع ولا ضرر للبشر بيد أو لسان، فهناك ـ وقد غلب الصدق وتغلب ـ يعود القول صادقاً، والفعل صادقاً، لا من أجل حب سمعة أو طلب ظهور، ويكون الناس حينذاك مثال الأثر الصحيح بكل وضوح (صانع وجهاً واحداً يكفك الوجوه).
إن عقيدة التوحيد تبعث في الإنسان قوة البطولة والبسالة، وتنفخ فيه روح الجرأة والشجاعة، ذلك أن الموحد يؤمن كل الإيمان بأن الآخذ بزمام الآجال، والمسيطر على الأعمار، هو ذاك الواحد الحي الذي لا يموت، فالموحد