/ صفحه 419 /
ـ وقد خامرته هذه العقيدة ـ لا يخشى بأس أي بشر ولا ضرره، مهما بلغ من شدة البأس ومضاء العزيمة، هذه هي الشجاعة، وبالشجاعة يحفظ كثير من نواميس الاجتماع، بالشجاعة تحفظ الأموال والنفوس، وتحمى الاعراض والحرمات، وتصان النواميس والديانات.
إن عقيدة التوحيد تطبع معتنقيها على حب الحرية والاستقلال، فإن الموحد ـ وقد علم علماً لا يقبل الجدل، أن كل تسيير أو تدبير، هو لتلك الذات، ومن تلك الذات، وبتلك الذات، الذات الأحدية الواحدة ـ يتيقن حينذاك يقينا لا يقبل الشك، إنه هو السلطان المطلق، والحاكم الوحيد، وليس من سمى نفسه باسم السلطان الحاكم، فما هو إلا مقهور بسلطان ذي السلطان والحاكم الحقيقي العظيم، وهو ـ وإن عد في زمرة المعدمين والفقراء ـ يرى انه شريكهم في التمتع بالحرية الكاملة، ونيل نصيبه من الحقوق الطبيعية في هذه الحياة، فهو وهم، في هذه الحقوق سواء بسواء، وإن تيقظ الإحساس وتعززت المشاعر للمطالبة بكل ذلك، نشأت حينذاك العدالة الصادقة والمساواة بمعناها الصحيح، ومات روح الاثرة، وذهب الاستغلال ضحية بسيف العدل الصميم، وبهذا تخمد نار الحروب، وتقطع ألسنة التنازع والخصومات، ويعيش البشر هادئين مطمئنين في مختلف الاحوال والشئون، فكأن الأرض غير الأرض، والناس غير الناس، ولكن ـ ونحن كما نحن الآن ـ هل يحلم بتحقيق ذلك إنسان ؟
أجل: الإسلام دين الوحدة والتوحيد، سار الإسلام سيره وسيرته هذه في الفكرة والعقيدة، وسار مع هذه الفكرة والعقيدة جنباً لجنب في ناحيتي التطبيق والعمل، فأراد الإسلام وما أراد، إلا الوحدة في كل شئ: الوحدة في التضامن والتعاون، الوحدة في الواجبات والحقوق، فالمسلمون جميعاً في نظر الإسلام سواء " لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى "، نص نبوي لا يقبل الجدل والتأويل، وهو قبة من نور كتاب الله الكريم، إذ صرح بكل قوة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " هذا كله بعد أمرهما الأكيد بتسوية