/ صفحه 422/
إعمال الفكر للإستقراء والمقارنة، وينتقل من الجزئيات إلى الكليات، ويصنف المعلومات التي يحصل عليها بالطريقة المذكورة.
هناك حاجة للربط بين جميع الحقائق التي توصل إليها العلماء، هناك ضرورة للنظر إلى جميع الاشياء الملاحظَة ككل واحد، فمن المعلوم أن الأجزاء في كثير من الأحوال عند ما تجتمع تعطي معنى يختلف عن معاني الأجزاء منفردة، مثلا السيارة تختلف في معناها عن معنى الأجزاء المكونة لها، وعند ما يتحد عنصر الكلود مع عنصر الصوديوم يركبان ملح الطعام الذي يختلف في خواصه وصفاته عن عنصريه، فعلى الفيلسوف ان يربط اكتشافات العالم مع الهام الفنان، وانفعالات المحب، وحماسة المصلح الاجتماعي، والوازع الاخلاقي للرجل العادي، ليعطي لهذه الاجزاء معنى جديدا يفسر فيه الوجود والحياة، العالم يعتمد في الدرجة الأولى على الحواس، والفيلسوف يعتمد على التفكير مع إعطاء الحرية التامة للفكر في فرضياته ونظرياته.
منذ أيام اليونان، انقسم الفلاسفة إلى طائفتين مع اختلاف في مذاهب كل طائفة، فطائفة ذهبت إلى أن المادة هي أصل الكون، والحياة والعقل ناتج عن تفاعلات المادة وتغيراتها، قالوا: وبما أن المادة نستطيع أن ندركها بحواسنا فإليها تعود حقيقة الوجود. أما الطائفة الثانية فلا ترضى بهذا التعليل الناقص غير الدقيق، وتعتبر الفلاسفة غير الماديين كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء وتقول بما أن وجود كل ما نتأمله يستلزم العقل، فالعقل هو أصل المحسوسات.
وحقيقة الأشياء هي عقلية أو روحية، وما الظواهر المادية إلا نتيجة للطريقة التي تتخذها الحقيقة الروحية للظهور، وما هذه الظواهر التي نحس بها إلا مظاهر كاذبة، وظلال لحقيقة أخرى، أو كما يقول العالم الفيزيائي ادينكتون: " إن الظواهر المادية نتيجة للتجريد والعزل الذي يلجأ إليه عقلنا في التعرف على الروحية، التي تتضمن تلك الظواهر ". أي ان الأشياء واحدة في طبيعتها ولكن عقلنا يظهرها بمظاهر مختلفة تبعاً للطريقة التي يحس بها السمع والبصر، والشم والذوق، وغيرها.