/ صفحه 423/
أما الدين فلا ينكر على العلم أهمية حقائقه الجزئية، ولا يمنع الفلاسفة عن الجدل والمناظرة للاستنتاج. ولكنه يرى أن الوصول للحقيقة النهائية عن طريق، الحس والعقل وحدهما، يؤدي إلى الالتباس. بالاضافة إلى هذين الطريقين، ينبغي أن نستعين بطرق أخرى، ذات صلة باعماق النفس الإنسانية وباطن الفرد مثل التنبؤ والنظر الغيبي، والإلهام والوحي الالهي والتجلي، والبداهة والقناعة الذاتية. أن الدين يؤمن إيمانا تاما عن هذا الطريق، بأن الله، هو أصل الوجود، وسواء أجاءت أبحاث العلماء والفلاسفة مؤيدة له ام لا ؟ فهو لا يكترث لها، لأن آراءهم عرضة للتغير والتبدل، يقول الدين: إن العالم بموجوداته المتنوعة من بحار وأنهار، وأشجار وجبال، وحيوانات ومواد مختلفة، توحي الينا بالبداهة ولأول وهلة أنها ليست إلا صور الحقيقة واحدة هي الله " وفي كل شئ له آية تدل على أنه الواحد " كما انك تتنبأ عن أخلاق شخص عندما تجتمع به لأول مرة من تفرسك في بريق عينيه، وملامح وجهه، وتصيب في أكثر الأحيان، كذلك من نظرة عاجلة لهذا الوجود، نعرف ماهيته وحقيقته، أما إذا أردنا أن نوسوس فإننا نفقد الصواب، عندما يتأمل الفرد في نفسه، في تفكيره وانفعالاته، وآماله وآلامه، وحيويته وغرائزه، يجد أنه لا يعبر عن إرادته، بل عن الارادة العامة للوجود التي تسيره كما شاءت. هناك نواح لا نستطيع أن ندركها عن طريق العلم. مثل معرفتنا بنفوسنا، ومعرفة العدل والجمال، ومعرفة الفكاهة والمزاح، ومعرفة أخلاق شخص آخر، وانما نعرفها باللقانة intuition كذلك نعرف الحقيقة النهائية عن هذا الطريق.
والفن ذو صلة بالحقيقة الكلية، فالفنان لا يصور الوجود كما هو ويعبر عنه فقط، بل يظهره بشكله الأكمل، ويحاول أن يسموا بالحياة، ويسعى لتحسين الحياة، ويوجهها نحو التقدم والكمال، ويعرّف افلاطون الفن بأنه الكلي ممثلا في الجزئي. ونحن نتذوق الفن كالموسيقى والغناء والتصوير والشعر والأدب عن طريق اللقانة ايضا.
في القرن التاسع عشر، انخدع الناس وأصابهم الغرور للتقدم والتوسع الذي حصل في مختلف العلوم، كالكيمياء والفيزياء، والأحياء والفلك، وطبقات