/ صفحه 48 /
لا خلاف في الدين الحق
لحضرة صاحب العزة الكاتب الكبير
الأستاذ محمد فريد وجدى بك
مدير مجلة الأزهر
شرع الله الإسلام لرفع الخلاف الذي وقع بين الناس في العقائد، لأن التدين فطري في النفس البشرية، وموجد الوجود الذي يتوجه إليه الإنسان بالعبادة والاخبات، لا حد له، ولا تستطيع أقوى العقول البشرية أن تصل إلى كنهه، فكيف يعقل أن تختلف فيه ؟ وقد عبد الخالق على هذه الحالة أحقاباً طويلة. فقد أثبت الاستاذ الكبير (ماكس موللر) الآلماني في كتابه الجليل (أصل الدين وارتقاؤه)، بالنصوص الدينية الهندية أن الإنسان أول ما عبد سجد للخالق وحده، وأما هذه الأوثان والأنصاب فليست إلا بنات الخيال، استدعتها محبة الإنسان للمس كل ما يشعر به في نفسه، قال ماكس موللر: (إن هذه الآلهة المجسمة ليست إلا تمثيلاً طرأ على الإنسان بعد تلك الحالة الفطرية. وبناء على هذا فقد ركع آباؤنا وسجدوا أمام الله الحق حتى قبل أن يجرؤا على الاشارة إليه باسمه).
ثم استرسل هذا المؤلف في البيان فقرر بأن أصل الأديان كلها واحد، وما كان سبب تخالفها إلا ما أحدثته النزعات الانسانية، والاهواء النفسانية، من الميل للتحديد والتقييد والحصر. وهذا هو ما نزل به القرآن المجيد حرفاً بحرف. قال الله تعالى (كان الناس امة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).