/ صفحه 56 /
أولها: أنها تمثل الصراع الذي كان بين طبقة المماليك وطبقات الشعب.
ثانيها: أنها تمثل نوع القانون الذي كانوا يحتكمون اليه، والذي أثار المتمسكين بالدين من الفقهاء والشعب.
ثالثها: رد الفعل الذي أنتجه تمسك المماليك بهذا النظام الممقوت.
وإنما عنينا ببحث موقف الفقه والفقهاء في عهد المماليك لأن عهدهم كان العهد الذي ألفت فيه جمهرة الكتب التي بين أيدينا من كتب الفقه، والتي نرجع إليها في استفتاءاتنا في شتى المذاهب، والذي تركزت فيه الآراء الفقهية في المعاملات بوجه خاص نتيجة لتلاقي الفقه الإسلامي مع شريعة الياسا، ومع النظم الأوروبية التي وردت على مصر عن طريق الحروب الصليبية، وعن طريق تجارة أوربا في ذلك العهد، مما اضطر معه الفقهاء أن يحددوا موقفهم منها، ويبينوا نظرات الشريعة إلى تلك المعاملات وهذه النظم.
وما من شك في أن النظام الإقطاعي الذي ساد مصر في ذلك العهد كان له أثره البين على الفقه الإسلامي في جميع مذاهبه، وخاصة في مذهب أبي حنيفة في باب الإجارة وكتاب الوقف وشروطه ونظرية التعدي والغصب، وما عرف في فروع الوقف من مسائل الخلو، وقد حدث في هذا العصر التركي الفاظ لم يكن في الواقع لأغلب الفقهاء إلف بها من قبل، مثل لفظ: الكرواد، ومشد المسكة، والجامكية والحكر، والتيماري، والسباهي. إلى آخر تلك الألفاظ التي يعلمها من راجع كتب المتأخرين من الحنيفة متونهم وفتاواهم، والتي كانت نتيجة لذلك النظام التركي الاقطاعي، وإنك لا تكاد تجد هذه الألفاظ إلا في بعض كتب الحنفية التي ألفها من يعلمون شيئاً عن مثل هذا النظام، ولكنها في ذلك العصر تعدت الحنفية إلى جميع المذاهب، وإن كانت قد ذكرت بأسماء مختلفة، وما من شك في أن الفقهاء رضوان الله عليهم قد وقفوا موقفا محموداً يشكرون عليه احتساباً لله عزوجل، وكان من آثار موقفهم هذا إيجاد شئ من التوازن الاجتماعي الذي وقف دون تبديد ثروة البلد بالقدر الممكن، ودون تركيزها جمعيها في أيدي المماليك، وكان