/ صفحه 59/
التي كان لها فضل نقل هذه الثورة العلمية الضخمة لنا من فقه وحديث وتفسير إلى غير ذلك وفوق هذا فضل تلك المصارعات الاجتماعية التي نبهت أذهان الفقهاء لابتكار هذه الفتاوى الضخمة وتلك النصوص المتعددة وتلك الحلول التي لا يحدها حصر لهذه المشاكل التي واجهت الشعب وواجهتهم هم أيضاً. وبالتالي فضل وجود هذه الكتب التي لا زلنا نرشف من معينها ونعدها ثروة جديرة بالعناية ولعل لنا رجعة لنفصل هذه الكلمة المجملة عن الفقه في ذلك العهد بتفصيل ذلك المجمل وذكر شواهد وفروع كثيرة من آثار ذلك التفاعل الفقهي الذي كان نتيجة لذلك التفاعل الاجتماعي.
اجعله حيث شئت
يروى أن يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج دخل على سليمان بن عبد الملك فازدراه ونبه عنه عينه (1) فقال: ما رأت عيني كاليوم قط، لعن الله امرأ أجرَّك رسنه وحكَّمك في أمره. فقال: يا أمير المؤمنين لا تقل ذلك فإنك رأيتني والأمر عني مدبر وعليك مقبل، فلو رأيتني والأمر علي مقبل وعنك مدبر لاستعظمت مني ما استصغرت، واستكثرت ما استقللت. قال: عزمت عليك يابن أبي مسلم لتخبرني عن الحجاج؛ أتراه يهوي في جهنم أم قد قر فيها ؟ فقال يا أمير المؤمنين: لا تقل هذا في الحجاج وقد بذلك لكم النصيحة وأمّن دولتكم وأخاف عدوكم وكأني به يوم القيامة وهو عن يمين أبيك ويسار أخيك، فاجعله حيث شئت. فقال سليمان: وقد التفت إلى جلسائه: قاتله الله ! ما أحسن بديهته وترفيعه لنفسه ولصاحبه ! وقد أحسن المكافأة في الصنيعة. خلوا عنه.
*(هوامش)*
(1) نبا بصره عن الشئ: تجافى عنه كراهية له.