/ صفحه 17/
ثم انقلت بهم من الملاطفة إلى التحدي والتحذير "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين".
سجلت عليهم العجز الدائم المستمر عن الإتيان بمثل القرآن لأنه هو سبحانه الذي أنزل القرآن، وهو الذي خلقهم ومنحهم القدر التي لا تقدر بطبيعتها على الاتيان بمثل هذا القرآن الذي هو من صنعه وتفصيله، ولا ريب أن تسجيل العجز الدائم في وقت المعارضة والإنكار هو من أقوى الدلائل على الوثوق بالحق من جانب صاحب الدعوة، وليس بعد هذا النوع من التحدي سوى الاذعان بأن القرآن وحي من عند الله، وأن محمدا رسول الله، وأن إنكار شيء من ذلك لا يكون إلا عن محض العناد، وبدافع الاستكبار.
وفي هذا السياق تحذرهم الآيات - أن استمروا على الكفر - نارا وقودها الناس والحجارة أعدها الله لمن أعرضوا عن الحق وكفروا بآياته، وتبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بجنات تجرى من تحتها الأنهار. وبذلك أقامت الآيات الحجة عليهم من أنفسهم ومن الآفاق في لزوم توحيد الله بالعبادة، وفي لزوم الايمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفي لزوم الايمان بدار البعث والجزاء.
وهذه الثلاثة هي أصول الدين عند الله بعث بها كل نبي، وطلبها في كل كتاب وأرسل محمدا يجددها في القلوب، ويحييها في النفوس فيحيا الناس بها في الدنيا حياة طيبة، وينعمون بها في الآخرة بلذة خالدة.
ثم قفت السورة على هذه الأصول بلفت الأنظار إلى بعض نواحي الأدلة الكونية الدالة على حقيقة هذه الدعوة، واستبعاد أن يكفر إنسان ذو عقل بها بعد تبينها في الأنفس والآفاق "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم".
***
هذا عرض موجز للنواحي التمهيدية التي جاءت في أوائل سورة البقرة بين يدي غرضيها الرئيسيين. وإلى اللقاء في العدد المقبل إن شاء الله؟