/ صفحه 274/
نُظُم اليحكم كَماير اهَا الإسلام
لحضره صاحب الفضيلة
الأستاذ الجليل الشيخ عيد العزيز المراغى بك
عضو جماعة كبار العلماء والإمام الخاص للحضرة الملكية
قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وقد يكون ذلك الدمار الذي خلفته حروب دامية، ومساجلات مستمرة بين الجماعات والشعوب خلال ذلك الجزء الأول من هذا القرن فاتحة عهد تنعم فيه البشرية، إن لم يكن برخاء مادى فعلى الأقل براحة روحية بعد تلك الأزمات النفسية، والهزات العصبية التي اجتاحت الأمم والأفراد ربع قرن أو يزيد، وقد تتنبه الإنسانية بعد عظيم الكوارث التي مرت بها إلى العمل على تفادى صراع آخر لا يعرف مصدره ولا مورده، ولا يدرى أوله ولا آخره، والله يقول: "و نبلوكم بالشر والخير فتنة" وإن له في كل ذلك لمقصداً وحكمة، وإنه ليبتلى بالحسنات والسيئات لعل العالم يرجع عن غيه حين يدرك أن وراء تقدير تقديرا، ووراء سلطانه سلطانا لا يغلب ولا يقهر، وفوق منطقه الضعيف الذي ينظر للحوادث وللعالم نظرة فردية نفعية، منطق المدبر الأعظم للكائنا، وهو ينظر إليها في مجموعها وتباين أزمانها، وتغاير أمكنتها على أنها وحدة متكافلة في خيرها وشرها، مهما ضئول في نظر الناظر أفرادها.
وقد بدأ العالم يرسل الصيحة إثر الطيحة مبشرا بنظام عالى جديد غير ذلك العالم الممزق الأوصال، المهلهل النسج، الذي لم يعرف ـ رغم تقدمه المادى في خلال ربع القرن الأخير، تقدما سيطر به على أصغر شيء في الوجود، وغير به، وسيغير، مجرى الحياة للأفراد والجماعات ـ إلا التعاسة والشقاء والخراب والدمار والفوضى التي كادت تهد بنيانه من القواعد، وإلا صرخات غلب فيها الضعيف على أمره، وأطل منها الشيطان بقرنه يقرع الحق بالباطل، وقد ضاعت صرخات الشعوب في طلب استقلالها، وتبددت في غعمرة من شهوة التوضع والاستعمار، التي أظلت الأقوياء ممن بيدهم الحول والطول، وتعطلت خطوات التقدم نحو الغاية المنشودة.
هلذا هو التصوير احقيقى لما عليه العالم اليوم، وهذا هو التصوير الحقيقى لما كان عليه العالم يوم أشرق عليهم ذلك النور الإلهى يحمله محمد عليه الصلاة والسلام هداية ليلمناس، وليؤلف به بين تلك الزمر المتحاربة في أخوة واحدة، لا في وطن واحد بل في جميع العالم، ومحا الفوارق بين الاجناس والالوان واللغات والحدود الجغرافية. وبين العقائد المختلفة، واخى بين البشر جميعا، حتى ليكاد قلب أهل المشرق البعيد يخفق إذا ما اهتز قلب المغرب الاقصي، ولم يتسام إلى المركز الذي شغله الإسلام في تلك الناحية أى دين آخر، بل إن النظم التي خلتها بعض الأديان كانت تعمل على الفرقة والانهيار، بدل الاتحاد والتعاون، فقكرة إدماج البشرية في وطن واحد دون الاهتمام بالاجناس والألوان واللغات أو التقيد بالحدود الجغرافية. هى الهدية التي قدمتها جامعة الإسلام إلى المدنية البشرية، وهى البلسم الوحيد لشفاء تلك الأحقاد الدولية والعداوة البغيضة التين ساقنتا المدنية والحضارة إلى هؤة سحيقة لا يعرف غورها ونهايتها إلا عالم الغيب والشهادة.
فالإسلام هو الدين الدولي العالم، الذي يجمع العالم، الذي يجمع بين الغربى والشرقي، والأبيض الأسود، والارى والسامي، والهندى والزنجي، ينال كل نصيبه في الحياة والتقدم ساعة ينطق بالشهادتين، ويقف جنباً إلى جنب مع أعظم إخوانه مقاماً ومكانة اجتماعيه، فالجنس البشرى في نظره أسرة واحدة، من الناحية النظرية والناحية العملية.
تلك مقدمة عن الفكرة التي يقوم أساسها الإسلا، ومعذرة إن كنا قد أطلنا في تقديمها، فهى مقدمة ضرورية، لفهم الفكرة العامة في نظرية الخلافة الإسلاميه، التي هى أساس الحكم الإسلام، ومنها تستمد جميع السلطات في الإسلام، كيانها العملى التنفيذي، فالخلافة في نظر الإسلام رياسة