/ صفحه 28/
ثم فرض الزكاة ويعجبني تسمية الإسلام الزكاة بهذا الاسم، فهو اسم خير من كلمة الضريبة ونحوها من كلمات لأنها ترمز إلى أن إخراج الزكاة تطهير للمال الباقي، فكأن المال المكنوز نجس لا تطهره الا الزكاة. "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيه بها". وهذا القدر من الزكاة وهو 5 ر 2 % قد يكون قدرا ضئيلا ولكنه هو القدر القانوني، وبجانب ذلك، القدر الكبير الأخلاقي، وهو الذي سُمى الإحسان، وهذا لا حد له، وإنما هو موكول إلى ضمير الشخص وخلقه وعطفه وميوله الدينية والخلقية التي يحاول الإسلام أن يغرسها وينميها باستمرار.
ومن ذلك أيضاً نظام الإرث، فكثير من النظم الأوروبية حصرت الإرث في الابن الكبير أو نحو ذلك، فكانت الثروة مجموعة تنتقل من شخص إلى شخص وهي بعينها لا ينقص منها شيء، أما نظام الإسلام فوزعها وجعل لكل من الأولاد ذكورا وإناثا نصيبا منها، وكذلك للأب والأم والزوج والزوجة، إلى غير ذلك، فكان هذا عاملان كبيرا في انقسام الثروة وتوزيعها على عدد كبير من الناس، وتقريبا للمسافات البعيدة بين الغني المفرط والفقر المفرط .
***
فلو تصورنا مجتمعاً سادت فيه هذه التعاليم، وخضع فيه النظام الاقتصادي للسواك الأخلاقي، وحرم فيه على الأغنياء أن يسرفوا في الملاذ والملاهي، وفرض عليهم جزء قانوني من المالي يصرف في وجوه البر والأخذ بيد الفقير، إلى مال لا حَدَّ له نصرفه الغني لمساعدة الفقير يسمى إحسانا، إلى توزيع الثروة توزيعا كبيرا بين أفراد متعددين، لكان مجتمعاً قد تبرأ من حقد الفقراء على الأغنياء، وعسف الأغنياء بالفقراء، ولكان مجتمعاً تتقارب طبقاته، فلا فقير مدقع ولا غنى جشع، ولكان مجتمعاً قد حلَّ أهم المشاكل التي عجز الاقتصاد وحده عن أن يحلها، ولكن مع الأسف، مبادئ سليمة لم تجد من يطبقها، وآراء قويمة أهملت وسار المسلمون أنفسهم على ضدها.
الحق أن الإسلام خير من أهله؟